بقلم - حسن المستكاوي
** فى نهاية شهر مارس الماضى فاز منتخب نيوزيلندا على ضيفه الصينى 2 /1 فى مباراة كرة القدم الودية التى جمعت بينهما فى ويلينجتون.. وعلى الرغم من أنها مباراة غير رسمية، لكنها أثارت علامة استفهام عن مصير كرة القدم فى الصين لأن نيوزيلندا تلعب الرجبى وتحبها قبل كرة القدم. وفى القديم كان يقال «اطلبوا العلم ولو فى الصين». وربما كان المعنى اطلبوا العلم ولو كان بعيدا يسكن خلف سور الصين العظيم. لكن فى نصف القرن الأخير وتحديدا بعدرحيل ماوتسى دونج فى عام 1976، بدأت الاصلاحات التى قادها الزعيم دنج شياوبينج فى تغيير وجه الاقتصاد الصينى. واعتمدت الصين سلسلة من الاصلاحات الاقتصادية كان من شأنها فتح الطرق التجارية والسماح بالاستثمارات، وهى خطوات أدت فى نهاية المطاف إلى إخراج الملايين من دائرة الفقر.. والصين اليوم قوة عظمى عسكريا وسياسيا واقتصاديا ورياضيا أيضا. لكنها فى كرة القدم مصنفة درجة ثانية حسب تصنيف الإتحاد الأسيوى لبطولة كأس الأمم الأسيوية فى مايو القادم بالدوحة.
** الصين صنعت كل شىء وعجزت عن صناعة كرة قدم جيدة تنافس اليابان وكوريا والسعودية والإمارات وقطر والعراق. وفى عام 2016 أنفق أندية الصين أكثر من 200 مليون يورو للتعاقد مع لاعبين جدد فى ظاهرة يجسدها طموح الرئيس الصينى شى جين بينج فى جعل بلاده دولة عظمى فى كرة القدم.
**ويقول الكاتب روان سيمونز الذى أصدر كتابا عن كرة القدم فى الصين: «هناك سبب جديد يدفع رجال الأعمال الصينيين إلى الاستثمار فى كرة القدم هو أنهم يريدون بناء رصيد سياسى». ومن أبرز النقاط فى مشروع الرئيس شى جين بينج الذى أعلنه قبل سنوات لتطوير كرة القدم فى الصين هو إنشاء 50 الف مدرسة كروية خلال خلال عشرة أعوام وإجبار بعض التلامذة على ممارسة كرة القدم وحدد الرئيس ثلاثة أهداف أساسية لكرة القدم الصينية: استضافة كأس العالم، والتأهل إليها، والفوز بها، وذلك بحلول سنة 2050.
** نجحت الصين فى صناعة كل شىء وأى شىء، من الصاروخ إلى الفانوس، لكنها لم تنجح فى صناعة كرة القدم، ومازالت اللعبة هناك تعانى من الضعف مقارنة بجيرانها فى القارة سواء فى شرق القارة أو فى غربها، وعانت كرة القدم من الفساد ايضا بعد أن تعددت فضائح الرشاوى والمراهنات، ولم تحقق منتخبات الصين لكرة القدم أى نتائج جيدة فى جميع المستويات فى العصر الحديث، فهل خطة استيراد النجوم كانت كافية؟
** فى مطلع السبعينيات حاولت الولايات المتحدة أن تصنع اللعبة من حيث انتهى الآخرون، فقامت باستيراد نجوم مثل بيليه وشيناجيليا وجورج بيست وبيكنباور وعشرات غيرهم لعبوا لأشهر الفرق فى ذلك الوقت وهو نيويورك كوزموس، لكن فشلت الصناعة تماما وقتها.
** لا يمكن للاستيراد أن ينتج فريقا قويا دائما يمثل الصين مستقبلا، فهؤلاء النجوم بمقدورهم أن يثروا المسابقات المحلية، لكنهم لن يثروا المنتخبات، وقد فطنت أمريكا لذلك، وكذلك تعلمت اليابان وكوريا الجنوبية.. وأخذ خبراء اللعبة فى تلك الدول يبحثون فى جينات اللاعب وماذا يملك من قدرات ومن مهارات كى تنمى ثم تكون سلاحا يواجهون به المنتخبات الأخرى، وكانت السرعة واللياقة الفائقة، والتمرير القصير، والكرة الأرضية، والتنظيم سلاحا جوهريا ندا للمهارات والقدرات الإبداعية فى الكرة الاسيوية.. وبذلك قد تنجح الصين فى رفع مستوى مسابقاتها المحلية، لكنها إن لم تصنع كرتها فإنها ستعانى. ولذلك قرر هذا العملاق الآسيوى تطوير قطاع الناشيئن، مع خطة رسمية واعدة توفر 20 ألف أكاديمية وتسمح لثلاثين مليون تلميذ فى المدارس الابتدائية بممارسة كرة القدم خلال أربع سنوات.
** يبقى فى موضوع استيراد الصين للنجوم أنها فكرة «قشرية» سريعة الزوال بينما بناء اللعبة أمر يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل وتتطلب الصبر وتستنزف المال. والتخطيط المنهجى قبل أن ترى تحولا كبيرا فى اللعبة مع برامج احتكاك متنوعة. وكل دولة الآن تدرك أن حدودها لم تعد كافية فى السياسة والاقتصاد والرياضة والفن، وأنها يجب أن تلحق بالإقليم وبالقارة وبالعالم.. ومنذ سنوات توجهت أندية إنجليزية وإسبانية وإيطالية إلى الشرق الأقصى الأسيوى وإلى الولايات المتحدة بحثا عن شعبية وموارد جديدة.. فهذا عالم يصغر كلما كبر وكلما مضت السنوات.