بقلم - حسن المستكاوي
يوم من أيام الربيع، فى نادى المعادى عام ١٩٧٤ ، وقفت أنتظر مباراة في كرة القدم النسائية بين فريقين، أذكر أن أحدهما كان يمثل نادى المعادى، والثاني جاء به نجم الكرة المصرية القديم الكابتن عبد الكريم صقر، وهو أحد أساطير اللعبة في مصر. ولم أكن قد بدأت بعد العمل في محراب الصحافة الرياضية. ولكن في هذا اليوم، وفى تلك المباراة، اختزن عقلى رأيا سلبيا في كرة القدم للسيدات، فأخذت أكرره كثيرا بعد ممارسة العمل فى بداية السبعينيات.. فكنت أقول: «لا أصنف البشر إلى رجل وسيدة. وإنما إلى إنسان وإنسانة. فهناك امرأة قائدة ووزيرة ومديرة شركة ورائدة فضاء، وقد اقتحمت الكثير من المجالات وتساوت المرأة مع الرجل في كل شيء ولكنها عجزت عن مجاراة الرجل في بعض الاشياء فلا توجد امرأة عبقرية قامت بتأليف سيموفونية مثل بيتهوفن أو موتزارت، ولا توجد امرأة جراحة قلب ماهرة مثل مجدى يعقوب أو كريستيان برنارد أول من قام بعملية نقل قلب، ولا يعرف التاريخ بقدر علمى امرأة فيلسوفة، مثل سقراط، ولن توجد امرأة تلعب كرة القدم بنفس مهارة بيليه»..!
هناك قول لأحد الحكماء يقول فيه: «قل اليوم ما تراه صائبا، وقل غدا ما تراه صائبا حتى لو كان يختلف عن رأيك الأول».
حفظتها لأننى غيرت رأيى فى ممارسة المرأة لكرة القدم بعد كأس العالم للسيدات الأول عام ۱۹۹۱ فى الصين بمشاركة ۱۲ منتخبا . ويومها أبدع منتخب أمريكا وتوج باللقب الأول، وتساءلت كيف تفوقت المرأة الأمريكية على الرجل الأمريكى فى ممارسة كرة القدم، وهى ما زالت متفوقة ؟ وقد فاز منتخب أمريكا للسيدات بالبطولة ٤ مرات من ٨ بطولات ومنها آخر بطولتين على التوالى وهو مرشح بقوة للفوز بلقب البطولة التاسعة التى تنطلق اليوم في أستراليا ونيوزيلندا بمشاركة ٣٢ منتخبا .
تطورت كأس العالم للسيدات لكرة القدم من حيث عدد المنتخبات، فأصبحت ۳۲ ، وتطور الاهتمام بالبطولة، على المستوى العالمى لكننى أظنه ليس على نفس القدر بالمناسبة للإقليم والشرق الأوسط رغم وجود ظاهرة واضحة وهى إقبال الفتيات الصغيرات على ممارسة كرة القدم بشغف، وكثير منهن يملكن المهارة، لكن الأمر يستحق اهتماما أكبر من اتحاد الكرة، ومن الإعلام، الذى لا يتابع بنفس الاهتمام مباريات منتخب مصر للسيدات حتى لو كانت ،ودية، ولو ببعض اللقطات.
أصبحت الآن أطالب بالاهتمام، بعد الانطباع الذي تركته في ذهني مباراة عام ١٩٧٤ فى نادى المعادى، حيث كانت بالنسبة لى - عفوا ومع شديد الاعتذار - فقرة كوميدية في حينه. والمهم أن البطولة التاسعة تقام وسط مطالبات من لاعبات المنتخبات للفيفا بالمساواة فى الجوائز مع بطولات كأس العالم للرجال. إلا أن عائد بطولة مونديال السيدات أقل من عائد بطولات الرجال، خاصة أن الفيفا كان يسعى للحصول على ۳۰۰ مليون دولار من بيع حقوق البث لهذا المونديال، لكنه حصد أقل من ذلك المبلغ بفارق ١٠٠ مليون دولار. وربما أثر ذلك على رفع قيمة الجوائز كما وعد وصرح إنفاتينو رئيس الفيفا مرات لكن كيت جيل الرئيسة التنفيذية الشريكة في اتحاد لاعبى كرة القدم المحترفين قالت إن الفيفا: «لديه احتياطي أربعة مليارات دولار الآن، لذلك فهو يمكنه تحمل الإنفاق ومعادلة الأمور الآن..!
وأنتهى بسؤال هل يحظى مونديال السيدات بمتابعة جماهيرية في الشرق الأوسط أو فى مصر مثل مونديال الرجال ؟
هل هو حديث الساعة مثل كأس العالم للرجال الذى يكون حديث الساعة والدقيقة في الكوكب؟
والسؤال لا يحمل موقفا مناقضا لوجهة نظرى التى تغيرت تماما، لكنه يحمل في طياته سؤالا عن قدر الاهتمام.. فقد انتصرت المرأة ولعبت كرة القدم وبرعت فيها . انتصرت على رأى شاب اختزن فى عقله مباراة وقعت أحداثها عام ١٩٧٤.. تحطمت فيها أظافر، واستخدمت الأيدى فى شد شعر المنافسة لإيقافها، ويومها كان اللعب مشيا والجرى قليلا، والتعب كبيرا !