بقلم - حسن المستكاوي
وسط حالة البهجة التي نقلتها قرعة كأس العالم للأندية التي أجريت في ميامي الأسبوع الماضي، شهد شارع الكرة المصرية حالة جدلية عقيمة، ومتكررة حول تشجيع الأهلي من عدمه في هذه البطولة الكبرى.. والمدهش أن يكون هذا النقاش جزءاً أساسياً من محتوى المقالات والبرامج الإعلامية الرياضية، مما أنتج احتقاناً في شارع الكرة المصرية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي.
معروف أن بعض أنصار الفرق التي بينها «ديربيات تاريخية»، تناصر الفرق التي تواجه هذا المنافس التاريخي، بغض النظر عن مشاركة فريقها في مباراة أو في بطولة ما. و«الديربيات» تعود لأسباب مرتبطة بقوة المنافسة أو لأسباب جغرافية أو سياسية أو طبقية أو دينية، أو حتى لأسباب تتعلق بالتنمية والاقتصاد كما في حال مانشستر يونايتد وليفربول، لكن هذا النقاش الذي أفسد بهجة قرعة كأس العالم للأندية امتد إلى طرح قضية عقيمة للغاية تختلط فيها مفاهيم الواقع بالمبالغة التقليدية المسطحة، مثل: «هل يمثل الأهلي مصر في البطولات الكبرى القارية والدولية أم يمثل نفسه وجماهيره»؟
الذين يطرحون هذا السؤال هم في الأغلب أنصار الفريق المنافس «الزمالك»، وهؤلاء من الذين يجلسون في الجانب الآخر من النهر، هم أنفسهم الذين يرون فريقهم ممثلاً لمصر حين يشارك في بطولة قارية أو دولية، ولا أعتقد أني سمعت أو قرأت يوماً ما الإعلام الإسباني أو الإنجليزي يعتبر مباريات ريال مدريد وبرشلونة ومانشستر سيتي وليفربول مهمة وطنية قومية في مواجهة قوى سياسية واقتصادية منافسة، إلا أن أنصار الريال مثلاً يمكن ألا يناصروا برشلونة في أية مباراة، وهذا من طبيعة المنافسة، لكن من المؤكد أن فرق الأندية التي تلعب في البطولات الكبرى مثل كأس العالم للأندية والدوري الأوروبي والأفريقي والآسيوي تمثل كرة القدم في بلادها، وحينها فإن المشجع والناقد والمحلل الذي يملك وعياً رياضياً وفهماً عميقاً لرسالة الرياضة وكرة القدم، يدرك تلك الحقيقية بعيداً عن المبالغات. في حوار جاد مع مجموعة من شباب الجامعة، حول الانتماء وأهميته ومعانيه، اتفقنا على أن حالة الحب والانتماء بين الشباب وبين الوطن موجودة، وهي حالة تنفجر في لحظات الانتصارات التي تتحقق في ملاعب كرة القدم، أو في تلك الحالات التي يشعر فيها هذا الشباب أن منتخب بلاده في أشد الحاجة إلى المساندة.. واتفقنا أن هذا الشكل من الانتماء حقيقي. كل شعوب العالم تحب بلادها، ويتفجر الانتماء ونراه واضحاً في مباريات وملاعب كرة القدم لأسباب تاريخية واجتماعية، ومنها أن الانتصار يمس كبرياء الأمم، وهناك أسباب أخرى تتعلق بكرة القدم ذاتها وبشعبيتها.. لكن مفهومي الخاص للانتماء لا أختصره في مباريات كرة القدم، لكنني أراه في اللعب وفي الحرب وفي الملعب والميدان، وفي العمل، وفي اللهو، وفي الشارع والمكتب، وفي السياسة والاقتصاد.
** تلك قضية عميقة ولها جذورها البعيدة، لكن الوطنية لا يمكن اختصارها في مباريات كرة القدم أو في المنافسات الرياضية الكبرى، والأوطان لا يمكن اختصارها في فرق، والتعبير عن الوطنية أيضاً لا يمكن اختصاره في رفع علم الوطن بعد الفوز بمباراة.. الوطنية حالة انتماء دائم.