بقلم - حسن المستكاوي
** قبل أن تقرأ: سوف يبدو لك هذا المقال كأنه بسبب هدف محمد شكرى لاعب سيراميكا فى مرمى المصرى.. والواقع أن الهدف، فتح باب علوم كرة القدم، وكيفية تعامل العالم الآخر مع اللعبة بمنتهى الجدية والعلم.. توج سيراميكا كليوباترا بكأس الرابطة بعد أن تفوق على المصرى بأربعة أهداف مقابل هدف. وحرم بذلك الفريق البورسعيدى وجماهيره العريضة من بطولة جديدة، منذ أحرز كاس مصر عام 1998. وخطف هدف محمد شكرى كل الأنظار من الأهداف الخمسة التى هزت الشباك فى هذا اللقاء. فقد تصدى شكرى لضربة حرة مباشرة من مسافة تجاوزت 30 مترا، ولم يصدق أحد أن اللاعب سوف يسدد بتلك القوة وبتلك المهارة لدرجة أن توصيف وسائل الإعلام والمواقع ومنها صفحات ومواقع شهيرة وكبيرة، لهذا الهدف بأنه
«مذهل» ومماثل لهدف روبرتو كارلوس التاريخى الذى سجله عام 1977 فى مرمى منتخب فرنسا. وهو مماثل أيطا لهدف نجم المنتخب الوطنى أحمد حسن فى مرمى جنوب أفريقيا عام 1998، ولم يكن هدف أحمد حسن من الوضع ثابتا، من ضربة حرة مباشرة، ولكنه من الحركة. وقد غيرت الكرة اتجاهها فى هدف روبرتو كارلوس، وأحمد حسن، ومحمد شكرى.
** أتعامل مع كرة القدم ومع الرياضة بصفة عامة بجدية وتعلمت خلال السنوات جدية التعامل مع كرة القدم ومع الرياضة، وبمناسبة هدف محمد شكرى، أروى قصة قد تكون معروفة لأجيال اهتمت بكرة القدم من الناحية العلمية، وهى قصة دراسة هدف روبرتو كارلوس.
** فى تقرير نشرته صحيفة الحياة فى يونيو 2006 وكانت تصدر فى لندن والتقرير نقلا عن فابيان جروييه، «لونوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية جاء ما يلى:
** «منذ القرن التاسع عشر، والعلماء الألمان – وغيرهم – يولون أثر العلوم فى المجالات الأخرى، كالهندسة ونظرية النُظم عنايتهم وانتباههم، ومن هؤلاء العلماء، هنريش جوستاف ماجنوس وهو فيزيائى وكيميائى درس أثر العلوم فى فنون الحرب، خصوصا فى القذائف الثقيلة ومساراتها وحل ماجنوس لغز زاوية الانحراف غير المتوقّع لكرة مدفع مقذوفة تدور على نفسها وسجّل الحل، وسمّاه «تأثير ماجنوس». ويصدق «تأثير ماجنوس» على الرياضة فهو وراء الضربات الحرة الناجحة فى كرة القدم، أى تلك التى يذهلنا مسارها ويتدخّل التأثير نفسه فى لعبة التنس والكرات الدوّامة الدوارة «سبين».
** ودرس فريق من جامعة شيفيلد الألمانية تفاصيل الضربة الحرة التى نفّذها البرازيلى روبرتو كارلوس، فى 1997، وهزت الشِباك الفرنسية ودُهش الفريق العلمى لتفاصيل الضربة، فهى بالقدم اليسرى، وسرعة انطلاق الكرة 30 مترا فى الثانية أى 108 كلم فى الساعة، وسرعة دورانها 10 دورات فى الثانية على خلاف عقارب الساعة واستمرت الكرة فى مسار مستقيم بعيدا من الهدف، قبل أن تتباطأ فجأة، وتنحرف نحو اليمين مباشرة وتدخل الشّباك.
** سكنت ضربة محمد شكرى الزاوية اليمنى لحارس مرمى المصرى عصام ثروت. لم يستطع أن يفعل لها شيئا، فقط لقد رأها فى مرماه. فهل مهارة التسديد يملكها محمد شكرى ويكثر من استخدامها.. أرجو ذلك؟
** وبمناسبة العلم فى الرياضة وفى كرة القدم، لقد بحث علماء فى جماعية الأداء فى الفرق. وكيفية التناغم بين أفراده، وفى مباراة صوّرت من أعلى بواسطة طائرة هليوكوبتر صوبت الكاميرا على أرض الملعب عموديا، وبدا أن كل لاعب يتصرّف فرديا بقرارات من رأسه لكنه يفعل ذلك وهو جزء من مجموعة، فى آن واحد، وكشف ذلك أن فى كرة القدم إبداع جماعى يظهر فى مظهر الفطرة فى المواقف المستجدة، خلال المباراة وهى مواقف تتوالد أوجهها وتتكاثر إلى ما لا نهاية، ويستحيل توقّعها كلها ويتواصل لاعبو الفريق الواحد فيما بينهم، من دون علم مدرك بذلك وهم يتبادلون، طوال اللعب، إشارات فهمها يسيرعلى الشركاء، وعصى على الخصوم ويظلون يواجهون ظروفا متقلبة.
** ذهب خبراء الذكاء الاصطناعى، إلى أن كرة القدم، و المهارة فى أدائها، إنما تولد فى الدماغ وليس فى القدمين بعد اختبار أجرى على لاعبين آليين، أن مهارة الأداء فى كرة القدم مصدرها الأول الرغبة والشغف، والفوضى المنظمة فى الملعب..!
** كل هذا بسبب هدف محمد شكرى فى مرمى المصرى؟
** لا.. كل هذا بسبب كرة القدم عموما، وسرها وسحرها، وكيفية تعامل العالم الآخر مع اللعبة!