بقلم - حسن المستكاوي
** لا يمر يوم دون خبر أو مشهد يرفض الهتافات العنصرية فى ملاعب كرة القدم بألمانيا وإنجلترا وفرنسا وإسبانيا وهولندا وغيرها من دول أوروبية، حاربت فى القرن العشرين كل أشكال العنصرية، وبدا أنها انتصرت عليها، لكن ها هى تعود، وقد وجدت فى مدرجات وفى ملاعب كرة القدم مناخا خصبا لظهورها مجددا. وأصبحت الدوريات الأوروبية تعانى بشدة من تلك الظاهرة القميئة، وترتب عليها اتخاذ قرارات فى بعض البلدان بحرمان أندية من جمهورها بسبب الهتافات العنصرية، والإساءات البالغة. وقد قامت رابطة الدورى الإيطالى أخيرا بمعاقبة فريقى لاتسيو وروما لسوء سلوك الجمهور. والعقوبات التى توقع على الأندية الإيطالية المشاركة فى الدورى تتضمن إغلاق ملعب أو جزء منه، أو حرمان الجمهور من حضور مباراة فريقه بجانب عقوبات بالحرمان مدى الحياة لمشجعين من دخول ملاعب فرقهم.
** السلوك فى مدرجات كرة القدم تغير، وظهرت حركات نازية وفاشية وظهر اليمين المتطرف، والهتافات العنصرية فى أوساط جماهير اللعبة. ومن ضمن التفسيرات التى طرحت عند مناقشة تلك الظواهر، أن السوشيال ميديا زادت من درجات التعصب، بسبب الآراء القاسية والإساءات المتبادلة بين أنصار الفرق، أو تلك إلى توجه للاعبين ولمدربين، بجانب ظاهرة الهجمات الإلكترونية وتجنيد مجموعات لمهاجمة إدارات أندية أو لاعبين ومدربين وإعلاميين. فالإساءات التى يفسرها ممارسوها أنها «حرية تعبير». هو أسوأ إساءة لمفهوم الحرية. فالانفلات ليس حرية على الإطلاق.
** فى تقرير مهم لوكالة الإنباء الألمانية جاء أن جونتر إيه بيلز الخبير فى علم الاجتماع الرياضى، فسر هذا الاجتياح الوحشى للغة العنيفة والعنصرية بأن ما يجرى فى استادات كرة القدم يعكس توجها مماثلا فى المجتمع الذى يشكو أيضا من تزايد العنصرية، والتطرف اليمينى والتمييز بمختلف أشكاله وكرة القدم ليست استثناء من ذلك، وإنما هى بمثابة مرآة للتطورات المجتمعية بشكل كلى. وأشار بيلز إلى وجود علاقة بين وحشية اللغة على وسائل التواصل الاجتماعى ونوعية الإهانات التى تشهدها الملاعب.
** لكن هذا ليس السبب الوحيد لظاهرة العنف باللغة أو العنف الجسدى، فى ملاعب كرة القدم، فقد أصبحت حالات الاحتقان التى صنعتها وسائل التواصل الاجتماعى بين جماهير الأندية، جزءا من خيوط العنكبوت التى تشابكت فيها أسباب تلك الظاهرة. ومنها سلوك بعض اللاعبين وردهم على الهتافات التى تصيبهم مما يرفع من حالة الغضب فى المدرجات. وأنه من الضرورى أن يتوقف فورا جميع عناصر اللعبة عن الاحتجاج على قرارات الحكام، أو المبالغة فى الفرحة بالانتصار، وإيتاء إشارات وحركات تحرك الغضب والعنف فى المدرجات، والمدهش أن هيبة الحكام قلت عما كانت عليه فى الماضى. وفى تقرير لجريدة الجارديان البريطانية جاء أن تقنية الفيديو المساعد أضعفت الحكم، بعد أن سلبت منه القرار النهائى بشأن لعبة ما فى الملعب. وأضف إلى ذلك تحول اليقين فى قرار الحكم سابقا إلى الشك فى قرار الحكم بسبب التكنولوجيا، ففى عهود سابقة كان قرار الحكم مقبولا ونادرا ما يناقش، بينما الآن أصبح القرار موضع شك لأن هناك الفار الذى سوف يحسم المسألة.
** يبقى السبب الأخير لما يجرى من مظاهر عنف ممنوع فى ملاعب كرة القدم، وهو المال. والهوس الذى أصاب اللاعبين والمدربين. خاصة بعد أن اصبح احتفاظ لاعب بمكانه فى الفريق أو احتفاظ مدرب بمنصبه فى قيادة فريق مرتبط بالانتصارات والنتائج، وقد وصف يورجين كلوب مدرب ليفربول إقالة 12 مدربا فى الدورى الإنجليزى هذا الموسم بأنه أمر مروع..
** العنف بات واضحا جدا فى التحامات اللاعبين، وفى رد فعلهم على تلك الالتحامات، فى مظاهر لم تكن واردة قبل سنوات، قبل جنون التكنولوجيا، وجنون المال، وجنون التعصب، وجنون الفاشية والنازية واليمين المتطرف والعنصرية.. وملعب كرة القدم هو الحلبة المناسبة لظهور هذا كله، فقد حلل علماء الاجتماع أحد أسباب انتشارها وشعبيتها بأنها «حرب مشروعة» تحقق غريزة إنسانية للحرب، بجانب سهولة ممارستها، وسهولة قوانينها، وعدم حاجتها إلى أدوات خاصة، أو أجساد ذات مواصفات خاصة.