توقيت القاهرة المحلي 00:40:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شدة قالب

  مصر اليوم -

شدة قالب

بقلم - محمود خليل

جيل الثمانينات عاش طفولته ومراهقته مشدوداً على قالب.. وتلك هى السمة الثانية من سماته بعد «الفصامية».

استيقظ كثيرون من أبناء جيل الثمانينات صباح أحد أيام السبعينات ليذهبوا إلى المدرسة، الجميع يرتدى المريلة وأسفل منها البنطلونات بلونها البيج المائل إلى الصفار (بنات وبنين)، ولست أدرى هل ثمة دلالة معينة لاختيار هذا اللون كزى مدرسى أم لا؟. الزى المدرسى المشترك -ذو المصدر الواحد للقماش فى الأغلب- كان يجعل التلاميذ والتلميذات كلهم أشباه بعض.

كل الأطفال -وكذا الكبار- كانوا يتشابهون فى الزى، وأيضاً فى الطعام. كل التلاميذ يختزنون فى شنطهم -وكانت تحل محلها المخلة القماش لدى غالبية أبناء الفقراء- ساندويتشات مُعدَّة منزلياً، والصغار يتبادلون فيما بينهم «الحتت»، تبعاً للمتاح، من معه ساندويتش يميل على من ليس معه بـ«حتة»، أو يتبادل مع مالك ساندويتش آخر تذوق الحشوات المتباينة. التلميذ الثرى أو المتوسط فى هذا الزمان كان يشترى بعض المأكولات من «الكانتين» أو «المقصف المدرسى»، وهو ما لم يكن يعرفه التلاميذ الفقراء.

يتشابه الجميع فى محتوى ما تحمله الشنط أو المخلة القماش، فهى عبارة عن كتب مدرسية يلتزم الجميع بالدراسة فيها، وكراسات حكومية على ظهرها النصائح العشر الشهيرة التى تبدأ بـ«اغسل يديك قبل الأكل وبعده». والكتب والكراريس توزع على الجميع بالمجان، بما فى ذلك كراسة الرسم. الفروق فى القدرة الاقتصادية كانت تظهر فى الأقلام وعلب الألوان أو عند جمع تبرعات صغيرة لتزيين الفصل. لم تكن هناك مظاهر للتفرد على هذه المستويات، بسبب محدودية المتاح بالأسواق. يذكر أبناء جيل الثمانينات الضجة الكبيرة التى أثيرت داخل المدارس بسبب «ألوان اللخبطة»، فلأول مرة يتحدث الأطفال عن إعلان تليفزيونى يتعلق بـ«ألوان رسم» ويحفظون أغنيته: «ألوان اللخبطة بتشخبط شخبطة»، ويلح أبناء «المستريحين» على آبائهم لشراء العلبة السحرية من منفذ توزيعها بـ«الموسكى».

كل الشوارع والحوارى والأزقة كانت تتشابه، وهى تحتشد بالمشكلات. المجارى طافحة فى كل اتجاه.. المياه مقطوعة أغلب الوقت، وإن وجدت لا تصل إلى الأدوار العليا، النور «حبة فوق وحبة تحت»، ينقطع ساعة ويأتى ساعة، والحجة موجودة «الكابل ضرب». الطوابير فى كل اتجاه أمام الجمعيات التعاونية، والفقير الذى يحصل لنفسه منها على فرخة أو كيلو لحم أو صابونة أو خلافه يعتبر نفسه من الفائزين. الدلالون والدلالات فى كل مكان يجمعون السلع من الجمعيات ليوفروا على المتميزين مالياً عناء الوقوف فى الطابور نظير بيعها بسعر أغلى.. ركوب الأوتوبيسات والنزول منها بات من الشباك وليس الباب. كل المرافق كانت تعانى مشكلة انهيار بعد إهمالها بسبب توجيه القدرة الاقتصادية للدولة إلى حرب اليمن، ثم إلى المجهود الحربى فى أعقاب حرب 1967، لذلك تساوت جميع الأحياء فى المعاناة.

حيطان البيوت كانت متشابهة.. كل الشقق مدهونة بـ«الجير»، ومن معه فائض ليتميز به، يمكنه أن يستخدم رول الورود لينقش أشكالاً على الحيطان تميزها عن الشقق الأخرى. البياض بالزيت كان اختراعاً ظهر أواخر السبعينات، وبدأ يفرق حيطان الأغنياء الجدد أو القدامى عن حيطان الفقراء.

فى ظل هذه الأجواء نشأ جيل الثمانينات وكأنه مشدود على قالب فى الأكل والشرب والبيت والشارع والحارة والمدرسة والكتاب والقلم والكراسة.. ومهما افترقت بأفراده الطرق ستجد أن ثمة خيطاً يربط بين خصالهم وأدائهم.. لأن القالب غالب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شدة قالب شدة قالب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon