توقيت القاهرة المحلي 02:01:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحرافيش والأعيان

  مصر اليوم -

الحرافيش والأعيان

بقلم - محمود خليل

 

فى ملحمة «الحرافيش» استدعى نجيب محفوظ -بشكل مباشر- فكرة «المستبد العادل»، ورسم على أساسها شخصية «عاشور الناجى»، الرجل الذى ألقت به الأقدار إلى الواقع، وعاش مجهول النسب، منذ أن تفتحت عيناه على الحياة، فى بيت الشيخ عفرة زيدان الذى التقطه من أمام سور التكية، وتعهده بالرعاية والتربية.

يقدم نجيب محفوظ شخصية «الناجى الكبير» كنموذج للمستبد العادل، فهو أولاً مترفع عن الجلوس على مقعد الفتوة، ولا يريد استخدام عافيته ضد أحد، لكن إرادة المجموع قذفت به فى لحظة إلى منصة الفتونة. وهو ثانياً مستبد فى قراراته، سواء داخل أسرته، أو على مستوى الحارة، يفرض ما يريد على الآخرين، لكنه يبحث -فى استبداده- عن العدل، وما يحقق الحياة المستقرة للجميع، من أغنياء الحارة وفقرائها، وهو ثالثاً يمتلك الحكمة التى تعلمها من الشيخ عفرة زيدان الذى تبناه، ورباه على قاعدة أن «الإتاوة» التى يفرضها الفتوات حرام على من يأخذها ومن يدفعها، أما الزكاة فهى فرض على القادر يعطيها لغير القادر.

وتمثل «الإتاوة» فكرة مركزية فى قصص الحرافيش (عددها 10 قصص)، فحولها يدور الصراع، إذ يفرضها الفتوة «المستبد» على الفقراء كجزء من منهجية تربيتهم على طاعة سادة الحارة، وهو يقبض ثمناً سخياً نظير حماية السادة الأغنياء من أية انتفاضة مفاجئة من جانب الفقراء المقهورين. وتظهر فكرة الزكاة التى يعطيها الغنى للفقير كفكرة هامشية، يعلو مقامها حين يحكم الحارة «فتوة عادل»، يأخذ من الغنى ليعطى الفقير، حتى يسود الرضا بين الجميع، وهو يستثمر أيضاً جزءاً من المال الذى يجمعه من أجل التطوير وتوفير فرص عمل لعواطلية الحارة. وقد قدم «عاشور الناجى» ترجمة عملية لهذه الفكرة، أبهرت أهل الحارة، وظلوا معلقين بحلم استعادتها حتى بعد رحيل «الناجى الكبير».

لم تنعم «حارة نجيب محفوظ» إلا بفترات قليلة من العدل، مقابل تاريخ طويل من الظلم والاستبداد الذى شهدته على يد عتاة الفتوات، وكان بعضهم من «سلسال الناجى» نفسه، بسبب خمول «الحرافيش» وتعلقهم بحلم المنقذ الذى تقذف به الأقدار ليملأ الحارة عدلاً بعد أن مُلئت جوراً، ورغم الإشارات العديدة التى تضمنتها الحكايات إلى أن «الحرافيش» بإمكانهم فرض العدل الذى يريدونه إذا تحركوا ككتلة واحدة، لكن الإحساس التاريخى بالعجز كان يقعدهم، والخوف المتعمق فى نفوسهم يصدهم عن التحرك.

لم تكن فكرة مأسسة العدل حاضرة بحال فى تفكير «الحرافيش»، فالمسألة فى الأول والآخر ترتبط بفكرة الفرد المنقذ، وهى جزء من الثقافة العامة السائدة، التى ترسخت عبر آلاف السنين منذ العصر الفرعونى وحتى العصر المملوكى، تلك الثقافة التى ترتكز على الاستسلام لما يفرضه عليهم الفرد المستبد، والالتزام معه، وتمرير -وأحياناً تبرير- ظلمه، والنظر إلى المسألة كقدر مقدور. وحين يأتيهم المستبد العادل يحمدون ربهم الذى أرسل إليهم من ينقذهم، أما إذا ظهر على رأسهم شخص عادل وفقط، فلا عيش له معهم، لأنه يفتقد شرط الاستبداد، وهم يحبون من يستبد بهم، ويضع سيفه على رقابهم، فإن كان عادلاً، فبها ونعمت، وإن لم يكن فوعد ومكتوب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرافيش والأعيان الحرافيش والأعيان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:05 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

نجوى فؤاد تكشف حقيقة اعتزالها الفن
  مصر اليوم - نجوى فؤاد تكشف حقيقة اعتزالها الفن

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 22:40 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

وفاة مهندس في حادث تصادم بعد حفل خطوبته بساعات

GMT 13:19 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

تعليق البرازيلي نيمار يثير غضب عشاق الأرجنتيني ليونيل ميسي

GMT 02:36 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

صبغات لتغطية الشعر الشايب وإبراز جمال لون البشرة

GMT 14:16 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

"فيرير" فيدر أفضل لاعب تنس في تاريخ اللعُبة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon