توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الوش المراية»

  مصر اليوم -

«الوش المراية»

بقلم: د. محمود خليل

وجوه المصريين مرايات، إنهم يتشابهون فى ذلك مع الشعوب التى يجمعهم معها قواسم ثقافية مشتركة. يقول المثل الشعبى فى وصف الآخر: «فى الوش مراية وفى القفا سلاية». وهو مثل يتحدث عن صنف من البشر يجيد التخفى وارتداء الأقنعة، والظهور حال اللقاء بحالة، وحال الاختفاء بحالة أخرى.

فى حالة اللقاء يكون «مرآة» يرى فيها الشخص نفسه من فرط ما يبديه الآخر من تفهم وتعاطف مع مَن يحدّثه، إنه يهتم بغيره حين يلتقيه وكأنه «مراية» له، وما إن يدير له ظهره حتى يتحول هذا الغير إلى مادة للتسلية «سلاية»، فيبدأ فى اللكلكة بما سمعه منه وفضحه أمام الناس.

الوش «المراية» هو المفتاح الذى يمكن أن تفهم به الوجوه الناطقة بالنفاق، فأغلب المنافقين يمجدون مَن يكون لهم مصالح معهم أو عندهم، فيغرقونهم بمعسول الكلام، ووصلات الغزل، ومواويل المديح فى اللقاء، وما إن يفارقوهم حتى يسلقوهم بألسنة حداد، بل وربما يلعن بعضهم فى سره من يعسّل له الكلام أو يتغزل فيه أو يمدحه وهو معه وجهاً لوجه.

قد يتصور البعض أن تحول الوش إلى «مراية» بما يرتبط به من سيادة ثقافة النفاق يعتمد على الشخص الذى يقطر لسانه بالعسل حين يلتقى من ينافقه، ثم بالسم الزعاف حين يتركه، وهو تصور ليس فى محله، لأن ثمة طرفاً آخر يجب ألا نهمله، وهو الطرف الذى يسمع. فالمنافق «المراية» لا ينجح إلا فى وجود شخص لا يحب الاستماع إلى الحقيقة، لأنه لا يريد أن يعيش الواقع، بل يبحث عمن يُسمعه ما يريد سماعه، ومن يزين له أفعاله.

تجد وصفاً رائعاً لهذه التركيبة الإنسانية فى الآية الكريمة التى تقول: «أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً».كلا الطرفين فى لعبة «الوش المراية» يقع فى هذا الفخ. فمن يستحسن السيئ، ويمتدح حكمة من لا حكمة له، لا بد أن يكون بالضرورة ممن زين له سوء عمله، ومن يستمتع بالأوصاف الكاذبة له، والكلام الفارغ من العقل والمنطق حول أدائه، هو أيضاً من هواة تجميع البشر الذين يزينون العمل السيئ.

«الوش المراية» و«القفا السلاية» ثنائية قادرة على تفسير ثقافة الارتباك التى تأخذ بتلابيبنا منذ عصر الحملة الفرنسية، بل قل إن لها الدور الأخطر والأهم فى ثبات الأوضاع لدينا وعدم قلقلتها أو حلحلتها.

يحكى «الجبرتى» فى «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» أن المشايخ والعلماء دأبوا على مشاركة «نابليون» -خلال احتلاله للبلاد- الاحتفالات التى يرتبها لبعض المناسبات الفرنسية، كمناسبة قيام الجمهورية، بإعداد الثريد الذى تغطيه طبقة شامخة من الأرز الذى يأخذ ثلاثة ألوان، هى ألوان العلم الفرنسى، إرضاءً لسارى عسكر. كان العلماء يفعلون ذلك والأهالى يأكلون ويرقصون «واللى فى القلب فى القلب»، فنظرتهم إلى «نابليون» كغازٍ محتل لم تتغير، وكانوا جميعهم ينتظرون اللحظة التى يخرجونه فيها من البلاد.

وقد كان.المصريون تعاملوا مع الفرنسيين بثنائية «الوش المراية/ القفا السلاية»، وهى ذات الثنائية التى احتكموا لها بعد الاحتلال الإنجليزى، وبعد خروج الإنجليز من مصر.. والنتيجة ما نحن فيه!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الوش المراية» «الوش المراية»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon