توقيت القاهرة المحلي 11:21:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تخاف ما تختشيش

  مصر اليوم -

تخاف ما تختشيش

بقلم - د. محمود خليل

أول ما ترسخه الغربة من أحاسيس سلبية لدى صاحبها هو الإحساس بالخوف، وقد كان المماليك كذلك. فاختطافهم وهم صغار من أحضان أهليهم، ومن دفء البيئات المكانية التي تفتحت أعينهم على الدنيا فيها، ولّد لديهم نوعاً من الخوف، وتعمّق هذا الإحساس لديهم وهم ينتقلون من نخاس إلى نخاس، حتى يستقر بهم المقام لدى واحد من القادة، أو الأساتذة من المجاليب السابقين الذين نالوا حريتهم، ليعيشوا حياة مليئة بالصراعات، الكلمة الأولى والأخيرة فيها للسيف أو الحربة، والبقاء فيه للأسرع انقضاضاً.يقول صاحب كتاب "تراث العبيد": "كان مجتمع المماليك يتعايش معاً بحكم الضرورة.

فالعلاقات بين المماليك ليست علاقات قربى، وليست علاقات جوار اختياري، والعلاقة بينهم وبين أميرهم ليست علاقات أبوة على الحقيقة، وليست علاقات بنوة على الحقيقة، ولا علاقة صداقة، ولا شك أن أميرهم أو أستاذهم أو صاحبهم أو مالكهم كان يراقب بحذر أي تكتلات أو صداقات بينهم، إنما هي علاقات يحكمها الخوف والضرورة، رغم غطاء المجاملات السميك سماكة الخوف الكامن".حياة مغلفة بالخوف عاشها المماليك، وصدّروها إلى الواقع الشعبي الذي تسيدوه.

فكما هزهم الخوف من بعضهم البعض، وكما علمتهم تجربتهم أن الخوف وحده هو الذي يردعهم، وليس "الخشا" أو "الحياء" من فعل الخطأ، اتجهوا إلى التعامل مع أولاد البلد بالمعادلة نفسها، واعتبروا الناس "تخاف ما تختشيش"، لذا فقد تعاملوا معهم باستمالات الترهيب، ورسخوا بداخلهم إحساساً بأنهم تحت التهديد المستمر، وأن عليهم باستمرار الحذر والاحتياط، حتى لا ينالهم الأذى: "مين خاف سلم".

قد يقول قائل كيف يوصف المماليك بالخوف كمحرك أول لسلوكهم، وهم الذين خاضوا أعنف المعارك ضد التتار والصليبيين، وانتصاراتهم في هذا المقام مسطورة بأحرف من نور.

وهذا القول سليم مائة في المئة، فلا يستطيع أحد أن ينكر ما حققه المماليك من انتصارات على الطامعين في العالمين العربي والإسلامي، إلا أن يكون غافلاً، لكنك تستطيع أن تفسر ذلك بتركيبة الشخصية المملوكية التي يحكمها قانون التلاحم عند وجود المخاطر والتناحر عند وجود المغانم.الخطر كان العامل الأبرز في توحيد المماليك.

فما إن يلوح في الأفق خطر يهدد سلطانهم حتى يتوحدوا في مواجهته بأعلى درجات الإخلاص والصلابة، وليس أدل على ذلك من حالة التوحد التي بدوا عليها خلال مواجهة التتار في "عين جالوت" فقد اصطف مماليك المعز أيبك وعلى رأسهم سيف الدين قطز مع مماليك "سيف الدين أقطاي" وعلى رأسهم الداهية العسكرية بيبرس البندقداري، وخاضوا معاً معركة تاريخية تمكنوا فيها من إيقاف زحف التتار لأول مرة في تاريخ المواجهات التي وقعت بين التتار والمسلمين، والتي انتصر التتار فيها بصورة حاسمة، حتى تم كسرهم في "عين جالوت".

كان المماليك يعرفون جيداً كيف يتوحدون في مواجهة الخطر، وما إن يزول حتى يعودوا إلى سيرتهم الأولى، خصوصاً عندما تحضر المغانم، هنالك يطل شبح الصراع وتتفاعل أحاسيس الخوف في النفوس القلقة، ويصبح بمقدورها أن تفعل أي شىء دون "خشا" أو "حياء"، وذلك ما حدث بالضبط بمجرد العودة من "عين جالوت"، فقد استدار "بيبرس" ومعه باقي مماليك "أقطاي" إلى السلطان "قطز" وقتلوه، ليجلس "البندقداري" مكانه على غنيمة السلطنة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تخاف ما تختشيش تخاف ما تختشيش



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 02:08 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا
  مصر اليوم - نتنياهو يعقد اجتماعًا أمنيًا لبحث التطورات في سوريا

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 21:40 2019 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

هزة أرضية بقوة 6.5 درجات تضرب إندونيسيا

GMT 02:54 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

خبراء يكشفون عن مخاطر تناول العجين الخام قبل خبزه

GMT 23:10 2019 الجمعة ,05 إبريل / نيسان

نادي برشلونة يتحرك لضم موهبة "بالميراس"

GMT 07:26 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

حسابات التصميم الداخلي الأفضل لعام 2019 عبر "إنستغرام"

GMT 06:56 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

أب يُصاب بالصدمة بعدما استيقظ ووجد ابنه متوفيًا بين ذراعيه

GMT 11:35 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تشيزني يبيًن ما دار مع رونالدو قبل ركلة الجزاء هيغواين

GMT 09:16 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

زوجة المتهم بقتل طفليه "محمد وريان" في المنصورة تؤكد برائته

GMT 17:55 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

فستان ياسمين صبري يضع منى الشاذلي في موقف محرج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon