توقيت القاهرة المحلي 21:14:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قيراط حظ ولا فدان شطارة

  مصر اليوم -

قيراط حظ ولا فدان شطارة

بقلم - د. محمود خليل

الصدف السعيدة وضربات الحظ تعد معلماً مهماً من معالم التركيبة الثقافية المملوكية، فالصدفة والحظ أحياناً ما لعبا دوراً فى أحداث هذه الحقبة من تاريخنا، كما حدث فى حقب أخرى، لذا اخترع المصريون المثل الذى يقول «قيراط حظ ولا فدان شطارة»، إشارة إلى بعض المواقف التى يتفوق فيها أشخاص أقل قدرة على آخرين أكفأ وأشطر منهم، ويحصدون نتاج جهدهم ويتصدّرون به المشاهد.

فوق إحدى ربوات «قلعة الجبل» وقف السلطان الناصر صلاح الدين وإلى جواره أخوه ووريث عرشه أبوبكر بن أيوب الملقب بـ«العادل»، ينظر إلى بناء القلعة الشامخ ويقول لأخيه: «حلال عليك وعلى عيالك من بعدك»، لأنه كان يعلم أنهم سيرثون سلطانه. وفى الأزبكية شيد المملوك الأمير محمد بك الألفى قصراً منيفاً مبهجاً، يسر الناظرين، وقرر أن يتخذ منه منزلاً يباهى به غيره من الأمراء، وقبل أن يفعل داهم نابليون البلاد فى حملة معتبرة وسيطر على القاهرة، وفرّ محمد الألفى، وترك قصره العامر، ليتخذ منه سارى عسكر الحملة منزلاً له، وهو القصر الذى قُتل فى حديقته القائد الفرنسى «كليبر» على يد سليمان الحلبى.

المصريون مثل المماليك، يشكل التدين أحد أسس نظرتهم إلى الحياة. ورغم كل ما ردّدوه عن الحظ والشطارة من أمثال، إلا أنهم كانوا يرون أن تلك تصاريف القدر، وكانوا يستوعبون المعنى الجليل الذى يشتمل عليه الحديث القدسى الذى يقول: «وعزتى وجلالى لأرزقن من لا حيلة له حتى يتحير أصحاب الحيل». فلا أحد يعلم أين يخبئ الله ما هو خير له، لكنها النفس البشرية التى تحاول التحايل على قيم الدين بأمثال شعبية تعكس أحوال الدنيا.

حاول البعض الاعتماد على خلطة تمزج بين إيمانهم بالقدر، والتفاتهم إلى حظوظ الدنيا، فالدين يرسم الأقدار، لكن الدنيا حظوظ، وإلا كيف نفسر ما جاء على لسان الناس وهم ينظرون إلى قارون كما يحكى القرآن الكريم: «يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم»، رغم أن الخالق العظيم نبّه إلى أن أحوال الدنيا رزق ونصيب: «ولا تنسَ نصيبك من الدنيا».

مثّلت الصوفية التى انتعشت فى العصر المملوكى ملتقى لتلك الخلطة، فالقرب من الأولياء وعباد الله الصالحين يجلب الخير والبركة، والتبرك بالمجاذيب ومن على شاكلتهم بات جزءاً لا يتجزّأ من ثقافة جلب المنافع وتحقيق الأمنيات. يستوى فى ذلك الأمراء مع أولاد البلد. تجد ذلك حاضراً فى الدور الذى لعبه كبار العارفين بالله فى تسوية الصراعات الكثيرة التى كانت تقع بين الأمراء المماليك، مثلما تدخّل الشيخ أبوالسعود الجارحى عند تولية طومان باى سدة السلطنة وأخذ له العهد بالسمع والطاعة من الأمراء. كما تجده شاخصاً فى تعلق أولاد الناس بالمجاذيب أو أصحاب الهمم (والخير أن نقول أصحاب النعم) والتبرك بهم، وفى الوقت نفسه النظر إليهم كتميمة حظ.

كان مؤلماً على النفس القدرية أن تقبل فكرة الحظ والصدف بسهولة، فأعادت إنتاجها بسرعة فى مطابخ التلفيق، وبدأت تستجلب الحظ عبر الأوهام التى زُرعت فى النفوس، دون أن تأبه إلى المخاطر المتعلقة بهذا النمط من التفكير الخطير الذى يقدم الحظ على الشطارة، وأثره السلبى فى ضرب قيم الاجتهاد، وما يحمله من دعوة صريحة إلى التكاسل والتواكل، وانتظار النفحات التى تأتى من باب الله، وأمطار الذهب والفضة التى ستُرسل بها السماء، وتفجر الأرض بينابيع الخير.. وادينى حظ وارمينى فى البحر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قيراط حظ ولا فدان شطارة قيراط حظ ولا فدان شطارة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon