بقلم: د. محمود خليل
توفى معاوية بن أبى سفيان فى شهر رجب من عام 60 هجرية، وانتقل الحكم إلى ولده وولى عهده «يزيد». ومثّل ذلك إشارة انطلاق لـ«الحسين» لكى ينفذ الأمر الذى عزم عليه. لقد صبر التوَّاق إلى حلم «الدولة الديانة» كثيراً بعد وفاة أخيه «الحسن»، وواصل تنفيذ اتفاقه مع «معاوية» ولم يدخل فى مواجهة معه، صبر على «معاوية» وهو يغلظ له فى القول، ويحتد عليه فى الفعل، حين قرر الأخير أخذ البيعة ليزيد من بعده على حياة عينه، ترك المدينة وانتقل إلى مكة - مهد الرسالة المحمدية - ووصله خبر وفاة معاوية وتولى «يزيد» فباتت المواجهة من وجهة نظره حتمية لا مناص منها. يؤكد لك ذلك أن واقعة «كربلاء» التى استشهد فيها الحسين حدثت بعد بضعة أشهر من وفاة معاوية، وبالتحديد فى شهر المحرم من عام 61 هجرية.الحقائق النظرية التى نص عليها اتفاق التنازل بين الحسن ومعاوية كانت تقول إن «الحسن» هو ولى العهد، وبعد وفاته بات أخوه «الحسين» فى مكانه كولى للعهد، وقد بايعه أهل الكوفة على ذلك فى رسالة تعزية أرسلوها إليه بعد وفاة «الحسن»، لكن «معاوية» بادر إلى فرض «يزيد» بالسيف والذهب، كولى للعهد، ورفض «الحسين» بعزم وإصرار مبايعته، رغم الضغوط العديدة التى مورست عليه.وعندما توفى «معاوية» كان يزيد خارج دمشق، وكان أول ما فعله قبل أن يطأ ترابها أن أرسل من فوره رسالة إلى الوليد بن عتبة بن أبى سفيان «والى المدينة» يطلب منه فيها إحضار كل من الحسين بن على وعبدالله بن الزبير، وأخذ البيعة منهما، فإن رفضا ضرب عنقيهما.وضع «يزيد» الحسين بن على بين خيارين أحلاهما مر، الأول: البيعة لرجل قال فيه عبدالله بن عمر حين طلب منه مبايعته كولى للعهد: نبايع من يلعب بالقرود والكلاب، ويشرب الخمر، ويُظهر الفسوق، ما حجتنا عند الله؟! (تجد ذلك بالتفصيل عند ابن الأثير فى كتابه الكامل فى التاريخ)، أما الخيار الثانى فهو المواجهة، فماذا يتبقى للحسين الذى يرفض البيعة سوى القتل على يد غريمه، ولم يكن لرجل بتركيبته الأبية الحرة أن يطأطئ رأسه أمام سلطة مهما كانت ماضية، أو يتوانى عن مواجهتها مهما كانت غشومة.اختار الحسين المواجهة، إيماناً منه بحتمية الوقوف ضد التحولات الخطيرة التى تحدث داخل المجتمع المسلم، ودفاعاً عن نفسه بعد أن أصبح مستهدفاً من «يزيد» وجنوده، وبالتالى فالحديث عن أن «الحسين» خرج على حاكم متغلب لا يبدو مقنعاً وتعوزه الوجاهة، فالذى نقض العهد مع «الحسن» هو معاوية وولده، وأول قرار اتخذه «يزيد» قبل أن يصل إلى قصر الحكم فى الشام هو فرض البيعة على «الحسين» وإلا قُتل.. فماذا يفعل الرجل؟لجأ «الحسين» إلى مكة المكرمة تاركاً المدينة لواليها الوليد بن عتبة. وهناك بدأت الرسائل تتدفق إليه من أنصاره فى الكوفة، تبايعه كخليفة للمسلمين، وتدعوه إلى السفر إليهم، ليقودهم فى مواجهة حاسمة مع «يزيد بن معاوية».