توقيت القاهرة المحلي 21:08:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كل هذه القسوة؟!

  مصر اليوم -

كل هذه القسوة

بقلم - د. محمود خليل

«قلوب من الهم تدوب.. وقلوب تمشى عليها دروب».. مثل مصرى صميم ما أكثر ما سمعناه من الآباء والأجداد فى وصف الظرف الذى يصنع قلباً رقيقاً، والظرف النقيض الذى يصنع قلباً قاسياً.

يربط المثل الشعبى بين الهم ورقة القلب. القلوب يذيبها الهم. فالإنسان الذى يعانى ويكابد يرق قلبه مع كل معاناة أو مكابدة يخوضها، فمن أوجعته هموم الحياة يكون أكثر ميلاً إلى الرقة مع غيره، ومن ذاق طعم الظلم هو الأشد ميلاً إلى العدل، ومن عرف معنى الضعف يفهم كيف ينتصر لضعيف مثله.

فمن دمغ الهم أو الظلم أو الضعف رحلته فى الحياة أرق قلباً وأحن على من حوله. وفى هذا السياق تستطيع أن تتفهم الحكمة الكبرى من ابتلاء الله لعباده فى الحياة، يقول الله تعالى: «ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين». فالقلب الذى يصمد أمام هذه الابتلاءات يخرج نقياً سليماً قادراً على العطف والتعاطف «ومن يؤمن بالله يهد قلبه».

فى مقابل القلب الرقيق يبرز القلب القاسى بهالته القبيحة، وهو يسكن نوعاً من البشر فقدوا وعيهم بالحياة أو سارت بهم سيراً هانئاً ناعماً، فتعودوا أن تنال أيديهم ما يرغبون، وأن تطول من يريدون، وتبطش بمن تحب، وتعطى من تهوى، مثل هذه القلوب وصفها الأجداد بأن الإنسان يمكن أن «يسير عليها دروب»، بسبب تصخرها وتصحرها.

يصعب على صاحب القلب القاسى الذى تعود أن كل شىء عند أطراف أصابعه، وأن الكل يهابه، أن يتعامل مع من يظن أنه يتحداه تعاملاً عادياً أو بسيطاً، بل يميل إلى البطش حتى ينعش غرور قوته ويشعر بالسيطرة على الأشياء، ويؤكد لقلبه المتيبس أنه فوق الجميع، وهو يبطش بجبر وتجبر. تأمل الآيات الكريمة التى تقول: «أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين»، وانظر إلى الرباط الواضح الذى يربط بين الإحساس بامتلاك أدوات الدنيا والقلوب القاسية الميالة إلى البطش.

إنها علاقة عجيبة تلك التى تربط بين منسوب التعب فى الحياة وطبيعة القلوب البشرية، فالهم يولد -فى الأغلب- رقة فى القلب وإحساساً أعمق بآلام الآخرين، فى حين أن الحياة السهلة التى تتحقق فيها رغبات الإنسان دون عنت أو تعب، تجعل القلب ميالاً -فى الأغلب- إلى القسوة، وأحياناً القسوة المفرطة.

أقول لك فى الأغلب لأن لكل قاعدة استثناء، فقد تجد بين المهمومين والمتعبين من قست قلوبهم، وقد تجد بين الناعمين المخمليين من رقت قلوبهم ودق إحساسهم بالآخرين، لكن يبقى أن الاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها بحال.

فى مسلسل «حديث الصباح والمساء» مشهد تذهب فيه المسكينة المتعبة «فرجة السماكة» لتخطب فتاة «بنت أكابر» لولدها الطبيب الذى تعلم فى فرنسا أيام محمد على، سخر منها الأكابر ومن الحكاية التى حكتها حول ابنها الفقير المنتمى إلى واقعه الشعبى، الذى خطفه عساكر الوالى، وأبعدوه عن حضنها وهو صبى صغير، تنفيذاً للإرادة السامية بإرسال بعثات تعليمية إلى الخارج، نظرت إلى الأكابر قساة القلوب لحظتها وقالت لمرافقتها فى رحلة الإهانة: «تقول لى إيه فى قلوب ماداقتش الحسرة.. وبطون ماداقتش الجوع».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كل هذه القسوة كل هذه القسوة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:57 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يصبح أول رئيس أميركي يبلغ 82 عاماً وهو في السلطة

GMT 02:39 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رانيا محمود ياسين توضح قطع علاقتها بالبرامج التليفزيونية

GMT 09:28 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

المصري يعلن انتقال أحمد جمعة إلى إنبي

GMT 02:20 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إيمي سمير غانم تكشف عن خلاف حاد مع زوجها تحول إلى نوبة ضحك

GMT 12:25 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

طريقة عمل أصابع الجبنة بالثوم

GMT 11:17 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يتخذ أولى خطوات الرحيل عن ليفربول

GMT 02:40 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تفاصيل إصابة ابن ماما سناء بفيروس "كورونا"

GMT 01:56 2020 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

طريقة عمل البوريك التركي بأقل التكاليف

GMT 21:12 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

إليسا تروج لحفلها اليوم في بث مباشر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon