توقيت القاهرة المحلي 04:45:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثمرة الغرائبية العجائبية

  مصر اليوم -

ثمرة الغرائبية العجائبية

بقلم - د. محمود خليل

فى مسجد حسين صدقى بالمعادى كان الطفل أيمن الظواهرى يجلس منصتاً إلى خطب الجمعة والأعياد وكلمات الوعظ التى تعيد تسميع ما احتوت عليه بعض كتب التاريخ الإسلامى، وفى مراهقته وبدء نشاطه الدعوى تحرك إلى مسجد الفاروق بحى المعادى أيضاً، وجعله مقراً لاجتماعات الخلية التى بدأ فى تكوينها، كما يذهب لورانس رايت فى كتابه «البروج المشيّدة».

خلال حقبتى الستينات والسبعينات كان من النادر أن تجد تحرّكات دعوية أو خلايا للجماعات الإسلامية داخل مساجد أولياء الله الصالحين وآل بيت النبى، مثل السيدة زينب أو السيدة عائشة أو السيدة سكينة أو الحسين. كان من الممكن أن تشاهد هذه التحركات أو العناصر داخل بعض المساجد الموروثة عن العصرين العثمانى والمملوكى، لكنها كانت محدودة أيضاًَ بحكم سيطرة الدولة عليها عن طريق وزارة الأوقاف.

الحضور الأساسى للتحركات الدعوية والجماعات الإسلامية كان داخل المساجد حديثة العهد التى بناها أفراد، مثل المسجد الذى بناه الفنان حسين صدقى عام 1954 وحضر افتتاحه الرئيس محمد نجيب، ورئيس الوزراء حينذاك جمال عبدالناصر، ومسجد الفاروق الذى أمر بإنشائه الملك فاروق حتى يكون هناك مسجد قريب من قصر شقيقته الأميرة فوزية بالمعادى، ورغم تبعيته للأوقاف، فإنه كان من المساجد المحكومة، بما يسمى الجمعيات الخيرية خلال فترة السبعينات، وسيطرت عليه الجماعات، مثلما فعلت فى مساجد أخرى شبيهة.

من فوق منابر هذه المساجد وغيرها تم نشر الكثير من الحكايات العجيبة العجائبية استقبلتها آذان الكبار بالإعجاب، وآذان الأطفال بالانبهار. والسر فى ذلك يتعلق بتصور لدى المشايخ والدعاة، مداره أن الخطاب القصصى الحكائى هو الأصلح للعوام والصغار. قد يكون هذا التصور صالحاً بشرط انتقاء المناسب والواقعى والعقلانى، لكن البعض لا يطربه إلا الغريب والعجيب واللاعقلانى من هذه القصص.

فى هذا العالم الغرائبى العجائبى الناطق بالقوة السحرية تحرك خطاب بعض المشايخ من فوق مساجد المنابر، العالم الذى يفلق فيه على بن أبى طالب، رضى الله عنه، رجلاً فيقسمه نصفين بضربة سيف فى معركة، ويخلع فيه باباً يفتحه سبعة رجال من مكانه ليتدرع به بعد أن انثنت درعه من كثرة ما دفع بها من طعنات ورشقات، العالم الذى يرى فيه عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وهو يقف على المنبر فى المدينة، القائد «سارية» وهو يقود سرية فى العراق يوشك أن يلتف عليه عدوه، فيصرخ من فوق المنبر: يا سارية الجبل الجبل ومن استرعى الذئب ظلم، العالم الذى يبلغ فيه النبى، صلى الله عليه وسلم، وصاحباه أبوبكر وعمر، الخليفة «عثمان» قبل مقتله بليلة بأن يصوم اليوم التالى لأنه سيفطر معهم.

الخطير فى الأمر أن المشايخ كانوا يربطون القوة المفرطة، والرؤية العابرة للحدود، والصفاء النادر للنفس بما تمتع به هذا الجيل من الصحابة من إيمان، وقد كانوا الأرفع إيماناً بالفعل، لكن المؤكد أيضاً أنهم لم يكونوا عجائبيين غرائبيين على هذا النحو، بل كانوا أشد الناس عقلانية وواقعية، وهى عقلانية وواقعية استمدوها من إيمانهم، ومن النبى، صلى الله عليه وسلم، الذى علّمهم أن الحياة بقوانينها، وليس بالمعجزات السماوية. وعندما طلب منه مشركو مكة الإتيان بمثل هذه المعجزات رد عليهم بأنه بشر لا يملك قلب قوانين الطبيعة: «وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِىَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِى السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا». يبدو من يطلبون ذلك وكأنهم سقطوا من كتاب ألف ليلة وليلة، وأخشى أن أقول إن بعض الخطابات التى تنتقى من التراث هذه الوقائع الغرائبية العجائبية تقع فى السياق نفسه، رغم أنه لا حاجة بنا إلى ذلك، خصوصاً أن سيرة الصحابة الأجلاء مليئة بما يشهد على عقلانيتهم وواقعيتهم.

أيمن الظواهرى نتاج للغرائبية العجائبية التى نسجت خلايا تفكيره، فعاش حياته يطلب مستحيلاً وينتظر الدعم من عالمه السحرى الخاص الذى عاش فيه حتى لقى مصرعه بأحدث ما توصل إليه العالم الواقعى من علم وتكنولوجيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثمرة الغرائبية العجائبية ثمرة الغرائبية العجائبية



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon