توقيت القاهرة المحلي 21:08:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثمرة الغرائبية العجائبية

  مصر اليوم -

ثمرة الغرائبية العجائبية

بقلم - د. محمود خليل

فى مسجد حسين صدقى بالمعادى كان الطفل أيمن الظواهرى يجلس منصتاً إلى خطب الجمعة والأعياد وكلمات الوعظ التى تعيد تسميع ما احتوت عليه بعض كتب التاريخ الإسلامى، وفى مراهقته وبدء نشاطه الدعوى تحرك إلى مسجد الفاروق بحى المعادى أيضاً، وجعله مقراً لاجتماعات الخلية التى بدأ فى تكوينها، كما يذهب لورانس رايت فى كتابه «البروج المشيّدة».

خلال حقبتى الستينات والسبعينات كان من النادر أن تجد تحرّكات دعوية أو خلايا للجماعات الإسلامية داخل مساجد أولياء الله الصالحين وآل بيت النبى، مثل السيدة زينب أو السيدة عائشة أو السيدة سكينة أو الحسين. كان من الممكن أن تشاهد هذه التحركات أو العناصر داخل بعض المساجد الموروثة عن العصرين العثمانى والمملوكى، لكنها كانت محدودة أيضاًَ بحكم سيطرة الدولة عليها عن طريق وزارة الأوقاف.

الحضور الأساسى للتحركات الدعوية والجماعات الإسلامية كان داخل المساجد حديثة العهد التى بناها أفراد، مثل المسجد الذى بناه الفنان حسين صدقى عام 1954 وحضر افتتاحه الرئيس محمد نجيب، ورئيس الوزراء حينذاك جمال عبدالناصر، ومسجد الفاروق الذى أمر بإنشائه الملك فاروق حتى يكون هناك مسجد قريب من قصر شقيقته الأميرة فوزية بالمعادى، ورغم تبعيته للأوقاف، فإنه كان من المساجد المحكومة، بما يسمى الجمعيات الخيرية خلال فترة السبعينات، وسيطرت عليه الجماعات، مثلما فعلت فى مساجد أخرى شبيهة.

من فوق منابر هذه المساجد وغيرها تم نشر الكثير من الحكايات العجيبة العجائبية استقبلتها آذان الكبار بالإعجاب، وآذان الأطفال بالانبهار. والسر فى ذلك يتعلق بتصور لدى المشايخ والدعاة، مداره أن الخطاب القصصى الحكائى هو الأصلح للعوام والصغار. قد يكون هذا التصور صالحاً بشرط انتقاء المناسب والواقعى والعقلانى، لكن البعض لا يطربه إلا الغريب والعجيب واللاعقلانى من هذه القصص.

فى هذا العالم الغرائبى العجائبى الناطق بالقوة السحرية تحرك خطاب بعض المشايخ من فوق مساجد المنابر، العالم الذى يفلق فيه على بن أبى طالب، رضى الله عنه، رجلاً فيقسمه نصفين بضربة سيف فى معركة، ويخلع فيه باباً يفتحه سبعة رجال من مكانه ليتدرع به بعد أن انثنت درعه من كثرة ما دفع بها من طعنات ورشقات، العالم الذى يرى فيه عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وهو يقف على المنبر فى المدينة، القائد «سارية» وهو يقود سرية فى العراق يوشك أن يلتف عليه عدوه، فيصرخ من فوق المنبر: يا سارية الجبل الجبل ومن استرعى الذئب ظلم، العالم الذى يبلغ فيه النبى، صلى الله عليه وسلم، وصاحباه أبوبكر وعمر، الخليفة «عثمان» قبل مقتله بليلة بأن يصوم اليوم التالى لأنه سيفطر معهم.

الخطير فى الأمر أن المشايخ كانوا يربطون القوة المفرطة، والرؤية العابرة للحدود، والصفاء النادر للنفس بما تمتع به هذا الجيل من الصحابة من إيمان، وقد كانوا الأرفع إيماناً بالفعل، لكن المؤكد أيضاً أنهم لم يكونوا عجائبيين غرائبيين على هذا النحو، بل كانوا أشد الناس عقلانية وواقعية، وهى عقلانية وواقعية استمدوها من إيمانهم، ومن النبى، صلى الله عليه وسلم، الذى علّمهم أن الحياة بقوانينها، وليس بالمعجزات السماوية. وعندما طلب منه مشركو مكة الإتيان بمثل هذه المعجزات رد عليهم بأنه بشر لا يملك قلب قوانين الطبيعة: «وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِىَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِى السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا». يبدو من يطلبون ذلك وكأنهم سقطوا من كتاب ألف ليلة وليلة، وأخشى أن أقول إن بعض الخطابات التى تنتقى من التراث هذه الوقائع الغرائبية العجائبية تقع فى السياق نفسه، رغم أنه لا حاجة بنا إلى ذلك، خصوصاً أن سيرة الصحابة الأجلاء مليئة بما يشهد على عقلانيتهم وواقعيتهم.

أيمن الظواهرى نتاج للغرائبية العجائبية التى نسجت خلايا تفكيره، فعاش حياته يطلب مستحيلاً وينتظر الدعم من عالمه السحرى الخاص الذى عاش فيه حتى لقى مصرعه بأحدث ما توصل إليه العالم الواقعى من علم وتكنولوجيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثمرة الغرائبية العجائبية ثمرة الغرائبية العجائبية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:57 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يصبح أول رئيس أميركي يبلغ 82 عاماً وهو في السلطة

GMT 02:39 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

رانيا محمود ياسين توضح قطع علاقتها بالبرامج التليفزيونية

GMT 09:28 2021 الأربعاء ,11 آب / أغسطس

المصري يعلن انتقال أحمد جمعة إلى إنبي

GMT 02:20 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إيمي سمير غانم تكشف عن خلاف حاد مع زوجها تحول إلى نوبة ضحك

GMT 12:25 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

طريقة عمل أصابع الجبنة بالثوم

GMT 11:17 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يتخذ أولى خطوات الرحيل عن ليفربول

GMT 02:40 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

تفاصيل إصابة ابن ماما سناء بفيروس "كورونا"

GMT 01:56 2020 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

طريقة عمل البوريك التركي بأقل التكاليف

GMT 21:12 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

إليسا تروج لحفلها اليوم في بث مباشر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon