بقلم :د. محمود خليل
شهدت مصر خلال فترة السبعينات تحولات دراماتيكية على مستويات عدة: اقتصادية واجتماعية، كان لها بالغ الأثر على التعليم، كانت المدارس والجامعات قد بدأت تضيق بالتلاميذ والطلاب، حاول النظام الحاكم وقتذاك التعامل مع هذه الإشكالية قدر طاقته، فأنشأ المزيد من المدارس الحكومية المجانية، وإلى جوارها مدارس تجريبية (تابعة للحكومة) بمصروفات سنوية، كما سمح لرأس المال الخاص، بعد عام 1974، بالاستثمار فى التعليم، فانطلقت العديد من الأسماء إلى إنشاء مدارس خاصة (بمصروفات مرتفعة) تقدم التعليم فى أجواء أفضل.
وعلى مستوى الجامعات، شهدت حقبة «السادات» بناء نحو 7 جامعات حكومية جديدة عملت إلى جوار الجامعات القائمة على استيعاب الزيادة فى أعداد المتقدمين، وفى المقابل لم يسمح لرؤوس الأموال الخاصة بإنشاء جامعات خاصة. وقد لجأ بعض أفراد الطبقة الوسطى فى مواجهة ذلك إلى إلحاق أبنائهم بجامعة بيروت أو بإحدى الجامعات الأجنبية فى المجر أو غيرهما، إذا لم يحالفهم التوفيق ويحققوا فى الثانوية المجموع الذى يمكنهم من دخول الجامعة، ليتم نقلهم بعد ذلك إلى الكلية المناظرة بإحدى الجامعات الحكومية المصرية.
اتجه أفراد الطبقة الوسطى، بمختلف شرائحها، إلى إلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة أو التجريبية على الترتيب طبقاً لمستوى القدرة الاقتصادية للأسرة. وتعددت الأسباب التى ساقت الطبقة إلى ذلك؛ أولها البحث عن خدمة وبيئة أفضل للتعليم، وثانيها تأكيد المكانة الاجتماعية والقدرة الاقتصادية، وثالثها إنقاذ أبنائهم من الفشل لأن الانتقال من مرحلة إلى أخرى فى المدارس الحكومية كان محكوماً بحد أدنى للمجموع لا بد أن يحصل عليه التلميذ، فى حين كانت المدارس الخاصة لا تشترط سوى النجاح، بغض النظر عن المجموع.
خلال هذه الفترة أيضاً بدأت ظاهرة الدروس الخصوصية فى التمدد، وكانت الطبقة الوسطى أيضاً الأكثر ميلاً إليها، كوسيلة للنهوض بمستوى أبنائهم تعليمياً، أو فى محاولة لمواجهة تراجع الخدمة التعليمية داخل المدرسة الحكومية أو الخاصة.
كانت المدارس الخاصة والدروس الخصوصية حكراً على شرائح الطبقة المتوسطة، فى حين كان أغلب أبناء الطبقة الفقيرة ينظرون إلى التلميذ الذى يأخذ درساً خصوصياً أو يتقدم لمدرسة خاصة كإنسان خائب ساقه إهماله التعليمى إلى هذا المصير. وكان يداخلهم أيضاً إحساس بالغضب من التحول الذى حدث فى عصر «السادات»، الذى يتيح الفرصة للفشلة من أبناء الطبقة الوسطى لينافسوهم على الفرص التى يحلمون بها حتى يتيحوا لأنفسهم فرصة للحراك الطبقى إلى أعلى.
أنت هنا أمام عاملين أساسيين شرعا ينخران فى النظام التعليمى بمصر؛ أولهما سياسات حكومية متخبطة «سيَّست» التعليم فى حقبة الستينات ثم «بزنسته» فى فترة السبعينات، ولم تكن تمتلك رؤية حول كيفية توظيفه أو استغلاله فى تجربة نهضوية، أو وعياً بأهمية الارتقاء بمستوى الخدمة. وثانيهما طبقة وسطى انشغلت أشد الانشغال بالمسألة التعليمية، واستجابت للسياسات والبزنسات التى دخل التعليم فى دائرتها، حين زاد حجم طلبها على التعليم الخاص والدروس الخصوصية، ومع صعود قيمة المال لم يعد الطلب لديها على التعليم، بل على الشهادة فى حد ذاتها.