بقلم :د. محمود خليل
يشكو كثيرون من انتشار ظاهرة «التسول» بشكل يفوق الوصف هذه الأيام. الشكوى لها وجاهتها إلى حد كبير إذا تجولت بناظريك فى أى شارع، أو عدت إلى البيت وجلست أمام شاشة التليفزيون تتابع الإعلانات التى تدعو إلى التبرع للجمعيات الخيرية، والإعلانات الخاصة بمصارف دفع الزكاة وغير ذلك.
الفقر حالة إنسانية، أما التسول فمهنة احترافية. الفقر موجود فى كل زمان ومكان، كان كذلك وسيبقى دائماً، وفى الحالة الإنسانية الطبيعية لا يُستخدم الفقر كوسيلة للتسول، وينطبق على من يعيش هذه الحالة ويترفع عن السقوط فى وهدة استغلالها قول الخالق العظيم: «لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا».. أما المتسول المحترف فغير ذلك، فهو يؤدى وظيفة تروج فى سياقات معينة.
ترتبط السياقات التى تروج فيها مهنة المتسول المحترف بظهور فئات متنوعة من الناس، أولهم فئة «الباحثين عن الغسيل». فيحدث فى بعض الأحوال أن يجد بعض الأفراد أنفسهم وقد حققوا ثروات طائلة وتضاعفت دخولهم بصورة غير متوقعة، لا عن مواهب فيهم، قدر ما هى خبطات حظ أو ارتباك واقع، أمثال هؤلاء ينتابهم فى بعض الأحوال إحساس بأن «فلوسهم ليست بريئة من ذنب» فيميلون على غيرهم، دون تفرقة بين المتعففين المحتاجين والمتسولين المحترفين، كنوع من «غسيل الفلوس» لترضى عنها السماء وتحل عليها البركة!.
ثمة فئة أخرى من البشر دهستها ظروف الحياة، وضغطتها الأوضاع المعيشية، بصورة جعلتها شديدة الحساسية لأى شخص يطلب منها المعونة أو المساعدة، فتجدها تعطيه قدر طاقتها بلا تردد، ودون بحث هل يستحق هذا الشخص أم لا؟ والناس داخل هذه الفئة أكثر عدداً وانتشاراً مقارنة بأصحاب الفلوس الكثيرة «غير البريئة».
فئة ثالثة أيضاً تلعب دوراً فى تغذية ظاهرة التسول، وهى فئة «المنافقين للسماء أو للأرض». فقد يبلغ التغفيل ببعض الأشخاص مبلغه حتى يظنوا أن بإمكانهم خداع السماء أو الضحك عليها، من خلال إلقاء الصدقات لدى أقرب عابر سبيل يطلبها «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ»، أما نفاق أهل الأرض عن طريق الدفع فمسألة لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل.
الإسلام الحنيف حث على الإنفاق ودعا المؤمنين إلى عدم الشح والعطاء من فضل الله تعالى عليهم، والأفضل للإنسان أن يحتكم إلى قاعدة التكافل وهو يعطى. فالأقربون أولى بالمعروف، ولو فكر أفراد كل عائلة بهذه الطريقة وحققوا نوعاً من التكافل بين من فتح الله عليهم ومن ضاقت بهم الظروف لاعتدلت موازين كثيرة معوجة فى حياتنا، يقول الله تعالى «وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ». فذلك خير من إلقاء المال للمتسولين المحترفين، أو نفاق أهل الأرض، أو نفاق السماء.
علينا أن نستوعب أيضاً أن العطاء أشكال وألوان، وهو ليس مغلقاً على العطاء المالى وفقط، فأن تعلّم إنساناً مهنة أو حرفة فذلك عطاء، وأن تنصحه نصيحة طيبة تصلح من حاله فذلك عطاء.. وقِس على ذلك.
تغيير الفكر هو الأساس فى تغيير الواقع.