بقلم :د. محمود خليل
عندما تظهر المغانم تخرج المخالب.
وعندما تظهر المغارم تخرج الاتهامات المخبوءة داخل القلوب.. أى مجموعة بشرية يمكن أن تنطبق عليها هاتان القاعدتان، إلا من رحم ربى.
على سبيل المثال قامت ثورة يوليو 1952 والجميع على قلب رجل واحد فى سبيل قضية عادلة تتمثل فى تحرير أمة من الاحتلال وإقامة دولة حقيقية تحكم نفسها بنفسها.
عاش أعضاء مجلس قيادة الثورة لحظات كان كل عضو منهم على استعداد لأن يقدم التضحية من أجل غيره ومن أجل المبدأ الذى يؤمن به، لكن بعد تحقق الأهداف وظهور مائدة المغانم بدأت الخلافات والمنافسات.
ولو خدمت الظروف قادة الثورة العرابية، فلربما ظهر بينهم ما بدا لدى غيرهم من منافسات عنيفة عند سطوع المغانم، لكن مسارات العرابيين كانت مختلفة إذ وجدوا أنفسهم يقعون فى شارع المغارم فبدأوا يلومون بعضهم البعض، ويتهم كل منهم الآخر.
القادة الثلاثة الذين قاموا بالثورة، وهم أحمد عرابى وعبدالقادر حلمى وعلى فهمى، عاشوا لحظات شبيهة، شعر كل واحد فيهم أن بإمكانه أن يبذل دمه رخيصاً من أجل الآخر وفى سبيل ما خرجوا لتحقيقه، لكن الأمور اختلفت عندما سيق الثلاثة إلى معسكر قصر النيل. فقد على فهمى أعصابه وأخذ يتهم عرابى بالزج بهم فى هذا الأتون. يحكى زعيم الفلاحين فى مذكراته هذا الموقف قائلاً: «ولما أقفل علينا باب الغرفة تأوه رفيقى على بك فهمى وقال لا نجاة لنا من الموت وأولادنا صغار، ثم اشتد جزعه حتى كاد يرمى بنفسه فى النيل من نافذة الغرفة».
أما محمد عبده كبير المفكرين المنضمين إلى الثورة فقد لعن السياسة وساس ويسوس، وبدأ يعود إلى النهج الإصلاحى فى التعامل مع الواقع.
إنها لعبة قديمة متجددة تجدها داخل أى مجموعة يضمها هدف فى لحظة معينة، ثم تتفرق فى دروب المنافسة على المغانم إذا نجحت فى تحقيقه، أو دروب اللوم والاتهام إذا صادفها سوء حظ ولم تفلح فى إنجاز ما تريد.
فى مثل هذه المواقف يظهر المعدن الحقيقى للإنسان، فالإنسان الذى تغلبه مطامعه ولا يتمتع بالنضج الكافى تجده ميالاً إلى الاستئثار بالغنيمة، ويأبى أن يشاركه أحد فيها، قد يلقى ببعض الفتات إلى غيره ممن يرتضون السير فى ركابه، لكنه لا يملك بالنسبة لمنافسيه غير إخراج المخالب ونشبها فيهم حتى يتمكن من التخلص منهم ليلعب على الخلا.
ويظن أصحاب هذه التركيبة النفسية أن ما يحققونه من مغانم أو مكتسبات قادرة على حمايتهم فى لحظة الحقيقة، وهى اللحظة التى يجد فيها هؤلاء أنفسهم بمفردهم فى مواجهة تهديد، ساعتها يتذكرون ويتحسرون حين يجدون أن أقل ريح تأخذ بهم، فكيف بعاصفة؟
فى المقابل تقفز المغارم وما يتبعها من لوم واتهام إلى صدارة المشهد عندما يكون الإنسان جزوعاً، يهتز أمام أهون الابتلاءات وهو الذى كان يردد بالأمس أنا وأنا، فيلوم الآخرين ويتهمهم ولا يفكر لحظة فى نفسه أو الأخطاء التى يصح أن يكون قد وقع فيها.
بين الطامع والجزوع يظهر البشر الطبيعيون الحالمون بالستر والنائون أنفسهم عن امتطاء المركب الصعب.