يظن الإنسان أن النهاية بعيدة وهى أقرب إليه من حبل الوريد، تصور له أوهامه أن سُنّة الموت تجرى على غيره، أما هو فبمنأى عنها، وذلك جحود مبين. مات السادات عام 1981، ومن قبله عبدالناصر عام 1970، ومن قبلهما فاروق عام 1965. عندما مات الملك الطريد حزن الشيخ عبدالعظيم عليه، راب حزنه خالد، فواجهه بفورة غضب، كان فى قمة الحماس للثورة وزعيمها، مندمجاً فى توجهاتها، غارقاً فى شعاراتها، قال له أبوه:
- الشيخ عبدالعظيم: مات المسكين وحده.. وهو الذى كان الناس يتزاحمون حوله بالأمس؟
- خالد (باستخفاف): حزين فضيلتك ع البنى آدم اللى لمّ المنافقين والمنتفعين حواليه؟.
- الشيخ: بل حزين على حياة يعيشها الإنسان وسط الزحام.. وعندما تأتى لحظة الرحيل يمشى وحده.
- خالد: اختار نهايته.
- الشيخ: عارف يا خالد أطيب حياة ممكن يعيشها الإنسان؟
- خالد: إيه فضيلتك؟
- الشيخ: حياة يمشى فيها الإنسان وحده.. يكون بين الناس وهو خارجهم.. يعيش معهم وليس معهم.. وعندما يأذن الرحيل يغادرها بين بشر يحبونه.. عش فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل.. امشِ وحدك.. وإياك أن تغرق فى بحار البشر، فهى مهلكة، اكتفِ دائماً بالمشاهدة دون أن تسير مع أحد.. العزلة عبادة يا ولدى.
قال خالد لنفسه: «لم يعش الشيخ عبدالعظيم حتى يرانى أستسلم طوعاً لأفكاره وأنا الذى كنت بالأمس أتمرد عليه.. وما أكثر ما عانى من توتر مراهقتى ونزق شبابى.. صدق من قال إن الإنسان يعرف فقط قيمة الأب حين ينجب ويصبح أباً».
كانت مشاهدة أحلام الأحمدى وهى تصعد سلم السياسة والمال ممتعة، وكانت المتعة تزيد عند استعادة مشاهد البدايات لتلك الأنثى التى تعطلت عن التعليم، فدخلت المدرسة وخرجت منها وهى تتعثر فى دروس الإملاء، وبدت صبية مندفعة فى كلامها مع الآخرين، لا تتمتع بما تمتعت به أختها «نادية» من لياقة فى الحديث نتجت عن تعليمها الأعلى وعملها لفترة من الوقت قبل أن تتفرغ لزوجها وولديها، لكن «أحلام» كانت من الذكاء بحيث أدركت أنها تمتلك الثروة الحقيقية التى تستطيع أن تلاعب بها المرأة الحياة، الجمال، أخفقت فى إجادة أى شىء فى حياتها، لكنها برعت فى إبراز جمالها وصيانته، فوعيها بجسدها فاق أى وعى.
ما أكثر ما كانت تلح على جدتها لتحكى لها حدوتة «شجر الدر» المرأة الحديدية التى ركبت دولة بأكملها، وحكمت واحداً من أكبر شعوب الأرض، ولم يستطِع أى رجل -مهما بلغت قوته- قهر نفسه على قهرها، ولم يكن لمثلها أن تقبل بنهاية على يد رجل عاشت تلعب به. كان إحساس «أحلام» بالضجر من «نادية» يشتد حين تجدها تطلب من الجدة إسماعهما حكاية «السيدة سكينة»، وغضبها يشتعل حين تدعوها إلى زيارة مقامها الكريم، ولا تطاوعها فى الوقوف أمام قبة شجر الدر أو التسلل إلى داخلها.
استمتع خالد عبدالعظيم بمشاهدة عديله حمدى وهو يطلق سهم «أحلام الأحمدى» من القوس أواخر عهد السادات، ليحلق بعيداً فى عصر حسنى مبارك. لم يكن ظهور «أحلام الأحمدى» بين النواب الذين يبلغون «مبارك» قرار مجلس الشعب ترشيحه للرئاسة سوى إشارة لبدء القصة الحقيقية للفرع السلطوى من عائلة «الأحمدى»، تلك التى بدأت أحداثها بموقف أضحك «خالداً»، حين حكى له «حمدى» القرار الذى اتخذته «أحلام»، بعد أن تسلطنت من جديد على كرسى داخل أول مجلس شعب فى عصر مبارك سنة 1983، قرار التنحى عن الحياة الزوجية. فقد جاءه حمدى ذات يوم بوجه مدهوش، يطلق ضحكات بلهاء وهو يقول له:
- حمدى: المجنونة بتقول لى إنها قررت إن العلاقة ما بيننا بعد كده تكون إدارية مش زوجية.
- خالد: يعنى إيه؟
- حمدى (ساخراً): يعنى قررت أن تتنحى تماماً ونهائياً عن منصب الزوجة وأى دور له علاقة به وأن تعود إلى صفوف جماهير البنات غير المتزوجات.
- خالد (ضاحكاً): قرار تنحى؟!.. هى خارجة من نكسة لا سمح الله؟.. دى فى قمة نجاحها.
- حمدى: قمة إيه؟.. دى بتقول أنا يادوب حطيت رجلى ع الطريق.
- خالد: وعملت معاها إيه؟
- حمدى: وافقت طبعاً إنى أبقى زوج انتساب.. مش انتظام.
- خالد: يعنى حاجة كده شبه شجر الدر وأيبك فى النص الأولانى من حياتهم.