بقلم: د. محمود خليل
وقفت «حكمت هاشم»، مديرة مدرسة نور المعارف، تستمع إلى الوزير المحافظ، وهو يبرر تجاوزها عند اختيار وكيل جديد لوزارة التربية والتعليم وتسمية غيرها لشغل الموقع.
شرح لها الوزير الأبعاد الإنسانية للقرار، وكيف أنهم يعلمون أنها الأجدر والأكفأ والأقدم وبالتالى الأحق بالمنصب، لكن المشكلة أن منافستها أكبر منها فى السن ولا يتبقى لها على الإحالة للمعاش إلا عامان، أما أبلة حكمت فالفرصة ما زالت أمامها.
ردت حكمت هاشم قائلة: والمرة الجاية برضو هتشوفوا مين أكبر منِّى فى السن ويتاخد مكانى لاعتبارات إنسانية وهكذا حتى أخرج على المعاش.. لا يا سيادة الوزير المحافظ.
أدركت السيدة المحنكة أن المحافظ يراوغها ويناور عليها من أجل إقناعها بما يصعب أن تقتنع به.. فلا يوجد فى سياق الحديث عن الاعتبارات الإنسانية ما هو أسمى من إحقاق الحق، وإعطاء كل ذى حق حقه، بذلك فقط يعلى الشخص من «الإنسانية».
الوزير كان يعلم أن حكمت هاشم تقف وراء تجربة نموذجية فى التعليم الثانوى حققتها من خلال مسئوليتها عن مدرسة نور المعارف التى تتولى إدارتها، ويفهم أن طموح السيدة بات يتجاوز المدرسة إلى كل مدارس الإسكندرية حيث تعيش وتعمل، فقد أرادت تعميم التجربة الناجحة على كل مدارس المحافظة.
كذلك يجب أن تكون الأمور.. فالاختيار فى مثل هذه الأحوال ليس حراً بل محكوم بقواعد ومعايير لا بد من الاحتكام إليها، وخير للمسئول أن يقول إن هذا اختيارى من غير أن يتمحك بالأخلاق والإنسانية.. لأن اختيار من لا يستحق وتصديره فى المشهد هو عمل غير أخلاقى بالأساس، علاوة على أنه غير إنسانى.. كذلك كانت تؤمن حكمت هاشم وذلك ما كان قابعاً فيما بين سطور الحوار الذى نسجه ببراعة الراحل أسامة أنور عكاشة.
وقد أحسن «عكاشة» حين استحضر مفردة «ضمير» ونسبه إلى بطلة عمله وجعله عنواناً لمسلسله الشهير.. فالمسألة مسألة ضمير قبل أى شىء، بل يظل الضمير هو مفتاح اللغز الأكبر فى حياة البشر. فغيابه يحل لغز الفشل الذى يمكن أن تعدد له عشرات الأسباب الظاهرة، لو تفحصتها جيداً فستجد أن الأصل فيها هو «الضمير الغائب».. وحضوره هو أصل النجاح، مهما تعددت الأسباب التى تقف وراءه.
الضمير يعنى ببساطة الاحتكام للمعايير.. المعايير التى تحكم توزيع الفرص، وتحديد الأدوار، وأيضاً المعايير التى تحكم تعامل الفرد مع من يحيطون حوله. عدم الاحتكام للمعايير معناه الارتجال، والارتجال يؤدى إلى العشوائية، والعشوائية أصل الفشل.. والمسألة عكس ذلك على طول الخط.. فالاحتكام إلى المعايير يحقق معنى «الموضوعية» التى ترتقى بالحياة، حين تعطى كل شخص ما يستحقه.
قاعدة «المناسب فى المكان المناسب» داخل المجتمعات العشوائية ليست أكثر من «شعار»، أما فى المجتمعات المنظمة فواقع تستطيع أن تلمسه بيدك فى جميع المواقع، قد يفلت تطبيق القاعدة فى بعض الأوقات فيظهر الأقل كفاءة، ولكن سرعان ما يطرده النظام الكفء.