بقلم :د. محمود خليل
يخطئ البعض حين يظنون أن دفاعهم عن ثقافة «اللبس ع المكشوف» يخدم قضية التنوير، وأنهم يواجهون بذلك ثقافة التطرف والتشدد داخل المجتمع المصرى، ويفرط هؤلاء فى الظن الحسن حين يتصورون أن كشف المستور من أجساد الفنانات فى المهرجانات وفوق السجاجيد الحمراء وسيلة من وسائل تجفيف منابع التطرف، فالنتيجة فى الأغلب تكون عكس ذلك فى مجتمع تغلب عليه المحافظة.
يتناسى هؤلاء أن جميلات السينما المصرية «الحقيقيات» -من جيل الستينات- كن يشاركن فى العديد من المهرجانات التى لم تزل فيديوهاتها وصورها حاضرة ومتداولة، ولم نشاهد معهن أى نوع من التجلى للسباق المحموم نحو الكشف الذى يلجأ إليه غيرهن حالياً.
فمن تملك قدرات فنية حقيقية لا تجد نفسها بحاجة إلى الأرجزة أو اللجوء إلى الظهور الشاذ، لأن فنها يغنيها عن الألاعيب المكشوفة.
لا أريد أن أذكر لك ما هو معلوم بالضرورة من تصريحات أراجوزية صدرت على لسان صاحبات «اللعب ع المكشوف»، أو تبريرات ساذجة سمعتها أو قرأتها للمدافعين والمدافعات عنهن، ممن يدعمون ثقافة التطرف من حيث يريدون محاربتها، لكننى فقط أريد التأكيد أن معادلة تجفيف منابع التطرف بإطلاق العنان للعب والجرى والتنطيط والقلع والانطلاق غير المحسوب أثبتت فشلها، بل أدت فى بعض الأحوال إلى نتائج عكسية، حين جرّت المزيد من المحافظين نحو الانضمام إلى فئة المتطرفين.
فالمتطرفون يستثمرون هذه الممارسات ويصبون فى آذان البسطاء من الناس أحاديث لا تنتهى حول سعى هؤلاء إلى دفع المجتمع إلى التخلى عن قيمه وأخلاقياته وتحويل فتياته وشبابه إلى نمط حياة يتنافى مع ما هو معروف عن المجتمع المصرى بمسلميه ومسيحييه من ميل نحو المحافظة.
ليس ذلك وفقط، بل تنطلق الألسنة أيضاً نحو الإشارة إلى الفساتين المرصعة بالجواهر الثمينة التى تجعل سعر الواحد منها يصل إلى مئات الألوف من الجنيهات، ناهيك عن تكلفة تصميمه وإعداده عبر بيوت الأزياء التى تأخذ الشىء الفلانى، وطبعاً لا مشكلة أمام صاحبات هذه الفساتين، فالفلوس كتير ولا حصر لها.
لك أن تتصور تأثير مثل هذا الكلام على وجدان تربَّى على القيم المحافظة، وعلى أصحاب جيوب خالية مرهقة بأعباء الحياة وضغوطها المعيشية، تضطرها إلى إضافة جديد كل يوم إلى قائمة الاحتياجات التى قررت تحريمها على نفسها وعلى المحيطين بها لضيق ذات اليد.
من حق كل إنسان أن يستر أو يكشف ما يريد، لكن محاربة التطرف بحال لن تتم من خلال العرى.
هناك وسيلة وحيدة ومضمونة النتائج للمواجهة تتمثل فى بناء عقل عصرى قادر على استيعاب علوم وتكنولوجيا الوقت والمساهمة فى الإبداع الإنسانى دون الاكتفاء بأن يكون عالة عليه.
وثمة طريق وحيد للوصول إلى هذا الهدف يتمثل فى تطوير التعليم، والارتقاء بمستوى أدوات التثقيف العام، وعلى رأسها السينما. السينما المصرية التى لم يزل تاريخها يغطى على حاضرها بسبب هشاشة وهزال الإنتاج حالياً، فى وقت تجد فيه مجتمعات ظروفها قد تكون أسوأ من ظروفنا، و«كمان متغطية» وصلت أفلامها إلى منصات العالمية.. والأمثلة كثيرة!.