توقيت القاهرة المحلي 04:58:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أحفاد «وهب»

  مصر اليوم -

أحفاد «وهب»

بقلم: د. محمود خليل

ثمة خطاب شائع على مواقع التواصل الاجتماعى يقوم على فكرة تحقير الدنيا، ونصح الناس بالتفكير فى الآخرة، وما أعده الله تعالى للمحرومين فى الدنيا من أوجه إشباع فى جنان الخلد.

كل مؤمن لا بد أن يتذكر آخرته، لكن ليس معنى ذلك بحال أن ينسى دنياه. مسألة نبذ الدنيا والزهد فيها تتصادم مع العديد من الآيات القرآنية التى تحتفى بالحياة، ولا تمنع الإنسان من التمتع فيها، مثل قوله تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، وقوله تعالى: «وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».

خطاب الزهد وتحقير الدنيا يبدو كوميدياً عندما يصدر أو يتكرر على لسان من يظهرون أمام الناس وهم غارقون فى أطايبها ومتعها، أو يعلم الناس عنهم ذلك، وتزداد الكوميديا عندما يوجه هؤلاء خطابهم إلى عبيد الله تعالى المرهقين الغارقين فى المشكلات والمحاصرين بالضغوط.

لا يختلف خطاب وأداء هؤلاء عن الوعاظ والحكائين الذين تحكى عنهم كتب التاريخ، مثل وهب بن منبه، ممن كانوا يترعون أذن السامع بالقصص الخرافى الذى يجمع فى طياته بين الواقع والأسطورة، والحقيقة والخيال، والأخطر نصح من حولهم بنصائح لا يعملون هم أنفسهم بها.

وهب بن منبه هذا عاش يزّهد الناس فى الدنيا، وينشر فى ربوعها «خطاب تحقير الحياة والزهد فيها»، رغم أنه كان ينعم بكل ما فيها، ويفعل كل ما يفعله عائشوها، بما فى ذلك الغضب الذى صنفه كبوابة من بوابات إبليس إلى بنى آدم. يحكى الذهبى صاحب كتاب «سير الأعلام والنبلاء» أن سماك بن الفضل، قال: «كنا عند عروة بن محمد الأمير، وإلى جنبه وهب، فجاء قوم فشكوا عاملهم وذكروا منه شيئاً قبيحاً، فتناول وهب عصا كانت فى يد عروة فضرب بها رأس العامل حتى سال الدم، فضحك عروة واستلقى وقال: يعيب علينا وهب الغضب وهو يغضب! قال: وما لى لا أغضب وقد غضب الذى خلق الأحلام، يقول تعالى: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنهم».

الاستدلال الذى ارتكن إليه وهب بن منبه دليل على ذلك النوع من المراوغة الذى يعتمده مروجو خطاب التزهيد فى الدنيا. فلله تعالى المثل الأعلى، والمعنى فى آية: «فلما آسفونا انتقمنا منهم» لا يدل على الغضب، بل على الغفلة التى تؤدى إلى عقاب الله العادل. كان عمر بن عبدالعزيز يردد هذه الآية ويقول: «وجدت النقمة مع الغفلة».

الله تعالى أعلم بهم، لكن مؤشرات عديدة تدل على أن كثيرين ممن يتبنون خطاب التزهيد يقولون ما لا يفعلون، ولو فكر هؤلاء فى المبادرة إلى مساعدة غيرهم لكان أجدى لهم وأنفع، ولو اجتهدوا فى إقناع الناس بقيم السعى والصبر والتكافل وغير ذلك من قيم دينية رفيعة لأفادوا أكثر، فتلك مسألة والغفلة عن الذات ثم استغفال الآخرين مسألة أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحفاد «وهب» أحفاد «وهب»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 04:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة
  مصر اليوم - 11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 04:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم
  مصر اليوم - القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى

GMT 20:31 2021 الثلاثاء ,01 حزيران / يونيو

وادي دجلة يكشف خطة الفريق للبقاء في الدوري الممتاز

GMT 09:26 2021 الأربعاء ,12 أيار / مايو

"الفيفا" يعلن مواعيد مباريات تصفيات كأس العرب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon