توقيت القاهرة المحلي 10:49:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أفكار «قطبية» فى عقل «طفل»

  مصر اليوم -

أفكار «قطبية» فى عقل «طفل»

بقلم: د. محمود خليل

لا بأس من أن تحاول أى قوة سياسية أن تنافس السلطة الجالسة على كراسى الحكم، ما دام ذلك يتم فى الأطر الديمقراطية، القائمة على الانتخاب الحر، والتداول السلمى للسلطة. وليس من المبرر أن تخرج أى قوة عن هذه المعادلة بحجة أن الظرف السياسى السائد لا يحتكم إلى قواعد الديمقراطية، فالعنف ليس مبرراً تحت أى ذريعة من الذرائع، وليست الشعوب من التغفيل بحيث تصدق أن جماعات العنف يمكن أن تقيم أبنية ديمقراطية، لأن العنف يمثل فى حد ذاته قمة الاستبداد.

أنتج سيد قطب مجموعة من المفاهيم المؤسّسة لما يمكن أن نطلق عليه «الاستبداد الثيوقراطى» أو الاستبداد الدينى، مثل مفهوم الحاكمية الذى يقوم على فكرة أن الله هو المشرع، ومطلوب ممن يحكم أن يطبّق شرعه، وهو فى النهاية يحكم باسم الله، ومفهوم الجاهلية الذى دمغ به «قطب» جميع المجتمعات المعاصرة، نظراً لأنها باتت تحتكم إلى مشرعين آخرين غير الله، سواء تمثلوا فى أفراد (حكام ومسئولين) أو مؤسسات (برلمانية)، بل ومنحت الشعوب الحق فى اختيار ما يصلح لها، بعيداً عما شرعه الله.

راجع أياً من المفاهيم التى اعتمد عليها سيد قطب وسوف تجد أنها تحلقت حول موضوع «الحكم»، فقد كانت تلك القضية أكثر ما يشغله، وهو يفسر كتاب الله تعالى، رغم أن كلمة «الحكم» تعنى فى القرآن الحكمة والقدرة على الفهم والتمييز وليس السلطة، كما فى قوله: «وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا». والأرجح أن مفردة «المُلك» فى القرآن هى التى تحمل معنى السلطة. يقول الله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِىٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ». فالدين أصل الحكمة والنبوة قمة البلوغ البشرى لها، أما المُلك فهو السلطة التى يستحقها من يمتلك أدواتها.

منذ نشأتها تحاول جماعة الإخوان وصف نفسها بأنها ليست «طالبة سلطة»، مع أن طلب السلطة لا يعيب أى قوة أو حزب يسعى إلى ذلك طبقاً لقواعد السياسة، ما يعيبها حقاً هو تحويل الإسلام الذى هو دين كل من يؤمن به إلى «أيديولوجية سياسية»، وما يجعلها خطراً على أى مشهد سياسى توجد فيه هو ذلك الطرح الذى قدّمه حسن البنا حين جعل الجهاد فى سبيل الجماعة جهاداً من أجل التمكين للدين، وحين طرح سيد قطب الجهاد كأداة لمواجهة النظام الناصرى الذى رفضه، بل وجعله أداة لمواجهة أىٍّ من المجتمعات التى وصفها بالجاهلية. فى التحقيقات التى أجريت مع سيد قطب -تجدها تفصيلاً فى كتاب «لماذا أعدمونى؟- يقول إنه تحرك فى اتجاه تسليح وتدريب بعض أفراد تنظيمه لأغراض دفاعية بحتة، تتمثل فى تحدى السلطة لو قررت الهجوم على التنظيم، كما حدث مع الإخوان عام 1954. وواقع الحال أن التنظيرات التى قدمها «قطب» لمفهوم «الجهاد» تخلو من الرؤى الدفاعية، التى تمثل أصل فكرة الجهاد فى الإسلام بما تحمله من معانى الدفاع عن الأوطان ضد الغزاة، ولا هجوم إلا فى حالة دفع أذى متوقع أو أطماع توشك أن تضرب بأطنابها فى البلاد، فهو هجوم إذاً من أجل الدفاع، أما العدوان على الغير -أياً كان هذا الغير- فلا أصل له فى فكرة الجهاد فى الإسلام. «وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ». هذه الآية الكريمة تلخص لك مفهوم الجهاد فى الإسلام، وهو ما ناقضه سيد قطب حين حملت تنظيراته له معانى هجومية واضحة، تستر وهو يعرضها وراء ستار الدعوة وإبلاغ رسالة الإسلام. وقد أصابه الارتباك وهو يفسر قوله تعالى «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ»، فراوغ وذكر أن المقصود بهذا الحديث هو الشعوب، وليس من يحول دون «قطب» وأتباعه وبين الشعوب، ونسى أنه وصف شعوب العالم قاطبة بـ«الجاهلية». تلقف أيمن الظواهرى هذه الأفكار السقيمة، وتفاعل معها وهو طفل -فى الخامسة عشرة من عمره- لا يعى فى الإسلام شيئاً، وكون خلية هدفها ترجمة الفكر الجهادى لسيد قطب فى جماعة تعارك السلطة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفكار «قطبية» فى عقل «طفل» أفكار «قطبية» فى عقل «طفل»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفكار لجعل المطبخ عمليًّا وأنيقًا دون إنفاق الكثير من المال

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 19:37 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مصر تُخطط لسداد جزء من مستحقات الطاقة المتجددة بالدولار

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 09:19 2021 الأربعاء ,17 آذار/ مارس

تأجيل انتخابات «الصحفيين» إلى 2 أبريل المقبل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon