بقلم: د. محمود خليل
فى أحد مشاهد فيلم «أمير الانتقام»، وهو إحدى الروائع الخالدة للسينما المصرية، يقول الشيخ جلال، وهو يعلق على صرخة الظلم التى شقت صدر حسن الهلالى، فانطلقت على لسانه: «يا حسن أنا لفيت كتير وشفت بلاد وعباد.. وخرجت من كل ده بدرس واحد.. الإنسان مسير لا مخير».. أراد الشيخ الجليل أن يعلّم الشاب درساً من دروس الحياة، ملخصه أن خطوات الإنسان فى الحياة مكتوبة ومقدورة، أو بعبارة أخرى «علم غيب وانكتب».
عبارة الإنسان مسير لا مخير أحياناً ما تُحدث جدلاً بين الناس، جدل قديم متجدد بين من يرون أن كل شىء فى الحياة وعد ومكتوب ومسطر على الجبين، ومن يذهبون إلى أن الإنسان يملك القدرة على الاختيار وتحديد طرقه ومسالكه فى الحياة، وأن التمحك بالأقدار لا يعدو محاولة لتبرير الأوضاع البائسة التى يعيشها الإنسان.
سؤال أزلى أبدى لم تزل إجابته معلقة.. قرأت فى كتاب لا أذكر عنوانه طرحاً يذهب إلى أن الإنسان مخير فى ما يعلم.. مسير فى ما لا يعلم.. بمعنى أن الإنسان يختار فى ما له به علم، فأنت تختار اسماً لابنك، أو وظيفة تعمل بها، أو طريقاً تسلكه دون غيره، لأن هذه الأمور تقع فى دائرة علمك، أما ما يقع خارجها، مثل لحظة الميلاد والوفاة، ومنسوب الرزق فى الحياة، والتوفيق أو عدم التوفيق، وغيرها فأمور تخرج عن دائرة معرفتك، وبالتالى فأنت مُسير فيها.
عبارة الإنسان مخير فى ما يعلم مسير فى ما لا يعلم تحمل إجابة مراوغة على السؤال، لأن حدود معرفتك قدر مقدور، فاختيار الاسم أو الوظيفة أو الطريق جوهره معرفة مقدّرة عليك، نتيجة الظرف الاجتماعى أو الاقتصادى أو التعليمى أو الثقافى وغير ذلك.
ظنى أننا نطرح السؤال الخطأ.. القرآن الكريم حدّثنا عن قدر الله الذى يحكم كل أمر من أمور الفرد والجماعة وكل عناصر الكون المحيط بنا. والخالق العظيم وضع معياراً وحيداً للتفرقة ما بين حركة البشر على الأرض، هو معيار السعى: «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى ثم يُجزاه الجزاء الأوفى».
فالسعى والاجتهاد فى الحياة وتطوير معطياتها هو جوهر رسالة الإنسان على الأرض، وذلك ما طالب به الخالق البشر، ونتائج السعى بعد ذلك على الله مسير الأقدار، والخالق عادل أبداً، فهو لا يضيع أجر من أحسن عملاً: «إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا»، ويجازى الإحسان بالإحسان: «هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ».
قديماً كان أينشتاين يقول: على الإنسان أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح.. ذلك جوهر الفهم العميق لدور الإنسان على الأرض، ونظرته إلى رب السماوات والأرض. على الإنسان أن يشغل نفسه بأداء المطلوب منه فى سياق دوره فى الحياة، ويطمئن تماماً ًإلى عدل السماء.
لا تشغل نفسك بالتفكير بنتائج ما تعمل.. بل انشغل بالسعى والاجتهاد فى ما تعمل.