توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«شغت» الخيال

  مصر اليوم -

«شغت» الخيال

بقلم :د. محمود خليل

للمصريين تعبير لطيف يستخدمونه فى مواجهة أى شخص يشعرون أنه يحكى قصة وهمية أو خيالية تتناقض فى تفاصيلها، أو يصادم بعض ما جاء فيها العقل والمنطق، التعبير هو «انت بتأفلم». وأفلم يؤفلم أفلمة هى مفردات مشتقة من مادة «فيلم».

فالمعلومة فى نظر الناس معلومة، الأساس فيها نقل حقائق عما يدور فى الواقع، ويتوجب فيها أن تكون نظيفة من «شغت الخيال»، أما الأفلمة فعملية تستهدف السرحان بالمستمعين وإغراقهم فى خيال من نسج وصناعة مؤلف يحب الثرثرة بصورة غير محبوكة. والخيال غير المحبوك لا ينجو من لخبطة، فقد تتناقض تفاصيله، وقد يفتقر إلى التماسك الذى يصل به إلى درجة التصديق، وبالتالى يتحول فى نظر الجمهور إلى «أفلمة».

تاريخ من الأفلمة عاشه المصريون على مدار عقود طويلة، حدث ذلك فى العصر الملكى قبل يوليو 1952، كما اشتعل بعدها فى العصر الجمهورى.

قبل الثورة ظهرت نماذج عديدة للأفلمة تعلقت بالملك فاروق، مثل ذلك «الأفيلم» الذى يحكى قصة «جمل» هرب من «المدبح» ولاذ بقصر عابدين طالباً الحماية من الملك فاروق، فاشترته الخاصة الملكية من الجزار (صاحبه) الذى كان ينوى ذبحه. وهكذا حمى الملك الجمل المسكين من الذبح.

وبعد خروج الملك من مصر تواصلت الأفلام فى الخمسينات والستينات، فانشغل الناس -على سبيل المثال- بقضية السفاح محمود أمين سليمان، وقدراته العجيبة فى الفرار من البوليس، والقفز من البيوت، وتسلق المواسير، والعيش فى كهوف الجبال، وغير ذلك من خيالات وأوهام غرق فيها الناس. ومن فرط الاهتمام العام به، كتب العالمى نجيب محفوظ رواية «اللص والكلاب»، وقدّم فيها قراءة متخيلة للبطل وعلاقاته بأعدائه الثلاثة: نبوية زوجته السابقة، وعليش زوجها الحالى، ورؤوف علوان الصحفى الذى باع له «أفيلم المبادئ».

عملية الأفلمة وصلت إلى مدى أبعد من ذلك حين تعلقت بقضايا وأحداث مصيرية تؤثر فى حاضر المجتمع ومستقبله، ومضغ الناس أكاذيبها وابتلعوها، ليستيقظوا بعدها على الحقيقة المرة، والنتائج الموجعة التى انتهوا إليها، ولم يكن هناك ما يحمى المغفلين من آثارها.

اشتعلت الأفلمة وتوسعت وتمددت بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعى، فعلى مسرحها انتعشت الصناعة وراجت، بل وبدأت تجلب الأرباح، وقد بدأت بمواطنين هواة، يعتمدون على آلية ثابتة فى تقديم أفلامهم المعبأة على فيديوهات، تتمثل فى «الاستعباط» أو «الاستهبال»، من خلال بيع قصة يختلط فيها الواقع بالخيال، أو مفبركة بشكل كامل، أو حكاية تمثل حالة شذوذ عن المألوف والشائع من قيم أو أخلاقيات أو عادات وتقاليد أو ممارسات داخل المجتمع.

تطورت صناعة «الأفيلم» فيما بعد ليدخل فيها ممثلون محترفون، يحكون فيها حكايات، ينتحر أمامها المنطق، ويلقى العقل بنفسه من عاشر دور، بسبب ما تشتمل عليه من تناقضات وغرائب وطرائف، ولأن أغلب الناس لا يقف ليفكر، بل يحب الغرق فى الوهم، فإن الفيديو «المؤفلم» يروج وينتشر، ويتهافت عليه المعلقون والمشيّرون والمليّكون، بصورة تؤدى إلى تحويله إلى آلة لتحقيق الأرباح، تغرى المؤفلمين بالمزيد والمزيد من عمليات الأفلمة.. وكله بثوابه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«شغت» الخيال «شغت» الخيال



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon