توقيت القاهرة المحلي 08:39:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وحده يمشي

  مصر اليوم -

وحده يمشي

بقلم :د. محمود خليل

سطور لا تنتهى وأطنان من الكلمات يستهلكها البشر فى وصف سيرة حياتهم، أو رحلة غيرهم فى دروب الحياة، والسؤال: هل يمكن أن تكفى 3 جمل فقط فى وصف حياة إنسان؟

النبى محمد -صلى الله عليه وسلم- اكتفى بذلك مع أبى ذر، فلخَّص حياته فى 3 جُمل قال فيها: «يرحم الله أبا ذر، يمشى وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده».. شخصية جديرة بأن نعيد التذكير بها.

نستطيع أن نفهم لماذا عاش أبوذر وحيداً موحّداً حتى أفضى إلى ربه إذا علمنا أن قضية العدالة الاجتماعية كانت قضيته الكبرى التى آمن بها فى حياته.

كل صحابى من صحابة رسول الله التقط خيطاً أثيراً لديه من خيوط شخصية النبى وجعله محور إسلامه، اختار أبوبكر الحنان والعطف على الآخرين، واختار عمر الحسم، فى حين اختار أبوذر الدفاع عن الفقراء، ومطالبة الأغنياء بتنفيذ وصايا الكتاب الكريم فى رعايتهم والإنفاق عليهم، إلى حد أن وصفه البعض بـ«عدو الثروات».

وقف أبوذر بقوة ضد مسألة كنز المال، وآمن بأن الإنسان يكفيه أن يحوز خبز يومه، وعليه أن ينفق ما زاد على ذلك.

أبوذر الغفارى كان رابع أربعة آمنوا بالإسلام. وما أكثر ما كان يردد: «لقد رأيتنى ربع الإسلام لم يسلم قبلى إلا النبى وأبوبكر وبلال». وهناك خلاف بين المؤرخين عند الإجابة عن سؤال: من سبق الآخر إلى الإسلام، أبوبكر أم أبوذر؟. وربما كان دخول الاثنين إلى الإسلام متزامناً.

أياً كان الأمر فقد كان أبوذر واحداً من أوائل المؤمنين، حين كان المسلمون يعدون على أصابع اليد الواحدة. وإذا كان غيره قد دخل إلى الإسلام دعوة، فقد دخله سعياً وعَدْواً خلف النبى الكريم صلى الله عليه وسلم.

عاش بنفسية مقاتل، ودافع عما يؤمن به من أفكار من غير أن يخشى فى الله لومة لائم، لم يكن هناك من هو «أصدق لهجة» منه، حين وقف وحده يقاوم ظاهرة الثراء الواسع التى بدأت تظهر بين بعض كبار رجال الخلافة، فى عهد عثمان رضى الله عنه، ممن كانوا لا يتأخرون عن إخراج زكاة أموالهم، لكن الصحابى الأبىّ لم يكن يرضى عن تضخم ثرواتهم بصورة لم يعهدها المسلمون من قبل، وخشى على مستقبل الأمة من أثر ذلك.

إنها النفس الشفافة التى ترى المستقبل وتحولاته المبنية على أمراض الحاضر ببصر حديد. واللسان الصادق غالباً ما يتمتع صاحبه ببصيرة ثاقبة قادرة على الاستبصار، وكذلك كان أبوذر.

قرر الخليفة نفى أبى ذر إلى الربذة، وحيداً سار غير آبه بشىء، إنها نبوءة محمد تتحقق. ربما استرجع فى طريقه ذلك الموقف الذى سمع فيه تلك الجمل العبقرية التى تلخص شخصيته المقاتلة، عندما كان مهاجراً من مكة إلى المدينة خلف رسول الله. تأخر أبوذر، فهمس بعضهم للنبى: «يا رسول الله تخلف أبوذر. فقال: ذروه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم». ولم يكن لأبى ذر أن يتخلف وهو الحاضر دائماً. وكل ما حدث أن الجمل الذى يقطع عليه الرحلة تعب وأبى السير، فما كان من المقاتل إلا أن حمل رحله وقطع المسافة المتبقية إلى المدينة سيراً على قدميه، حتى وصل إلى النبى، وقد أجهده الجوع والعطش.

لحظتها كان النبى يجلس مع أصحابه. فنظر الناس فقالوا: يا رسول الله، هذا رجل على الطريق وحده، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر. فلما تأمله الناس قالوا: هو أبوذر. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله أبا ذرّ، يمشى وحده، ويموت وحده، ويُبْعَث وحده).

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وحده يمشي وحده يمشي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon