بقلم: د. محمود خليل
تزامن ظهور أدوار مواقع التواصل الاجتماعى كلاعب سياسى مع بزوغ نجم دونالد ترامب على مسرح الأحداث داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
«ترامب» شخصية غير عادية، فقد جاء من خارج المؤسسة السياسية الأمريكية، وعندما دخل منافسات انتخابات الرئاسة عام 2016 بدا مرشحاً ممتلكاً أدوات العصر الجديد فى مقابل الأدوات التقليدية التى اعتمد عليها منافسوه فى الحزب الجمهورى (فى انتخابات التصفية)، وكذلك منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون. أجاد الرجل إلقاء الكثير من الطعوم التى نجحت فى اصطياد السوشيال ميديا إليه، واتخذ من مواقعها أداة أساسية لترويج نفسه لدى الناخب الأمريكى.
لم يكن «ترامب» ولا أعضاء فريقه الانتخابى يعتنون بمعايير الدقة أو الصدق فيما يقذفون به من معلومات على مواقع التواصل. على سبيل المثال يعد ترامب أكثر من روّجوا لكذبة أن أوباما مسلم وأنه ليس أمريكى المولد، وأن بيل كلينتون زوج منافسته لم يتحرش فقط بمونيكا لوينسكى -فى القضية الشهيرة- بل بعشرات غيرها، وأن هيلارى زوجته كانت تدارى عليه، بل وتجور على حقوق النساء الشاكيات من تحرشه بهن.
ليس معنى ذلك أن حملة «ترامب» انبنت على أكاذيب، لكنها وظفت بعضها إلى جوار العديد من الحقائق والشعارات التى داعبت الحلم القديم المتجدد بأمريكا القوية، مع توجيه اتهامات حقيقية إلى الرؤساء الأمريكان السابقين بإضعاف العملاق الأمريكى.
حاولت حملة هيلارى الترويج لفكرة أن الروس لعبوا لحساب «ترامب» فى الحملة، لكنهم لم يستطيعوا إثبات ذلك، فبدا الأمر وكأنه كذبة حاول الديمقراطيون اللعب بها على مواقع التواصل كما تلاعب بها ترامب.
تمكن «ترامب» وفريقه الانتخابى من خلق حالة «شعبوية» قلبت كل الموازين فى الانتخابات الأمريكية واجتذبت الناخب إليه، فكانت النتيجة فوزه فى الانتخابات، بفضل السوشيال ميديا بصورة رئيسية.
وبعد دخوله البيت الأبيض اجتهد «ترامب» فى توظيف هذه المواقع -خصوصاً موقع «تويتر»- وتمكن من التأثير فى الرأى العام الأمريكى عن طريق خلق التريندات، بان الأمر وكأن الرجل استطاع التحكم فى هذه المواقع ولعب بها، وهو الأمر الذى دفع بعض القائمين عليها من شركات الهايتك إلى غلق حساباته، واتهموا تغريداته بالعنصرية والحث على الكراهية، وغير ذلك من تهم لعلّك تذكرها.
الفوائد السياسية لمواقع التواصل لم تقتصر على الأمريكان أو الأوروبيين وفقط، بل امتدت إلى كل دول العالم، بما فى ذلك بالطبع دول العالم الثالث. ظهر فى هذا العالَم ما يسمى بالميليشيات الإلكترونية أو «الذباب الإلكترونى» فى بعض التوصيفات، التى تقوم بوظائف معينة لخدمة أهداف سياسية ومصالحية محددة، فهى تنطلق فى تأييد من تُوجّه إلى تأييده، وقصف جبهة من تعارضه أو لا ترضى عنه، وقد تمكنت هذه المجموعات الافتراضية من أن تحل محل الأحزاب السياسية التقليدية، وتحوّلت إلى أحزاب افتراضية تؤثر فى الاتجاهات السياسية القائمة، وباتت قادرة على تحريك البشر فى حدود معينة ولغايات مختلفة.
أصبحت التعابير الشعبوية والتوجيهات الإلكترونية ترسم خرائط السياسة فى عالم اليوم شئنا أم أبينا.