بقلم :د. محمود خليل
سيظل مسلسل «حديث الصباح والمساء» خالداً فى حياة أبطاله، ومن بينهم الراحل الجميل «أحمد خليل».
المسلسل نفحة روح زفرها واحد من أبرز كتاب السيناريو فى تاريخ الدراما التليفزيونية المصرية، وهو الراحل «محسن زايد». وقد مثّل هذا العمل آخر الأعمال التى قدمها للتليفزيون المصرى، ويمثل -فى تقديرى- مركزاً تجمعت فيه خيوط إبداعه المتوزعة ما بين أعمال أخرى عديدة، من أبرزها الجزءان الأول والثانى من «ملحمة الحرافيش»، و«السقا مات، وقلب الليل».
رحل محسن زايد بعد عام على وجه التقريب من إنتاج وإذاعة مسلسل حديث الصباح عن فهرست شخصيات كتبه الأديب العالمى نجيب محفوظ.
نحت محسن زايد شخصيات المسلسل على الورق، وأبرزت كل شخصية فنية شاركت فى العمل تجلياتها فى الواقع، فبدا «معاوية القليوبى» شيخاً مناضلاً، وفى الوقت نفسه محباً للحياة، وتجلت الشخصية بعبقرية على يد الراحل محمود الجندى، وظهر «يزيد المصرى» صوفياً تعلقت روحه فى الدنيا بشيخه القطب «الشيخ القليوبى»، كما تعلقت به فى الختام، حين بنى ضريحه حيث يرقد شيخه، وهما الشخصيتان اللتان جسدهما بروعة كل من الفنان أحمد ماهر، والراحل محمد السبع.
يظهر بعد ذلك «عطا المراكيبى» الذى جسّد شخصيته المبدع الراحل «أحمد خليل»، تلك الشخصية المركّبة التى عاكستها الظروف فى البداية، ثم أعطتها بلا حساب فى مرحلة تالية، نالت فيها كل ما تريد على مستوى الحب والمال والولد، وهى تؤدى فى حالات المعاكسة أو الفيوضات بشكل يرتكز على الواقعية الممتزجة بالرضا، وتتعامل مع معطيات الحياة وفرصها بذكاء وتوازن منحاها عيشة أرضى وأسعد.
وتمتد خيوط الأجيال فى العمل ليتواصل خط الحيرة والارتباك فى حياة داود ابن يزيد المصرى الأصغر، الذى لعبت معه الأقدار لعبتها، فرسمت حياته بصورة لم يخترها، لذا فقد ظل متأرجحاً متذبذباً، حتى وجد خَلاصه فى العودة إلى الأصل الذى انتزعته منه يد الوالى محمد على التى قررت الدفع بأطفال الجيل الجديد نحو ماكينة التعليم للاستعانة بهم كعناصر فى إطار مشروعه التحديثى.
وفى المقابل من «داود» تظهر شخصية شقيقه عزيز المصرى المتصالح مع أى شىء تمنحه له الحياة، والقادر على التكيف مع كل الأوضاع، وهو يرتبط بشقيقه الأصغر برباط نفسى عميق، ويجد فى علاقة الأخوة الممتزجة بالصداقة تلك سلوى تمنحه القدرة على المواصلة فى حياة رضى منها بالقليل الذى أعطته.
خيط أساسى جمع بِرقّة ونعومة بالغة بين شخصيات هذا المسلسل البديع نصاً وتمثيلاً وإخراجاً، هو خيط الرضا، فكل الشخصيات كانت تتعامل مع الحياة بنوع من الرضا الذى اختلف فى تعابيره ومناسيبه، ومن أروعها بالطبع حالة الرضا التى عبر عنها ورسم ملامحها الفنان القدير أحمد خليل عبر شخصية «المراكيبى».
إذا كانت وفاة الفنان «أحمد خليل» قد ذكّرتنا بهذا العمل الدرامى الممتع، فهى ولا شك تمنحنا أملاً فى أن نرى فى المستقبل أعمالاً بذات القيمة والمستوى، وأظن أن مصر ثرية بالكُتاب والفنانين القادرين على إبداع نظائر له.