بقلم: د. محمود خليل
أسماؤهم «بيكا» و«شاكوش» و«عنبة» و«شواحة» و«نور التوت».. عن مطربى المهرجانات أتحدث. تلك طبعاً الأسماء الفنية التى اشتهروا بها لدى جمهورهم، ويصر نقيب المهن الموسي قية هانى شاكر على تغييرها بأسماء أخرى أو يعودوا إلى أسمائهم الطبيعية حتى يسمح لهم بالقيد فى النقابة وبالتالى الغناء.
أطراف أخرى دخلت على الخط واتهمت هانى شاكر بالتعنت، ومدت خط الاتهام على استقامته، حين وصفته بالنفسنة على أصحاب المهرجانات.
نحن أمام أزمة «أسماء».. وليس أفعال بالطبع! وهى أزمة ليست بالقليلة إذا أخذنا فى الاعتبار أن الأسماء مرآة عاكسة للثقافة السائدة داخل المجتمع خلال فترة زمنية معينة، فالأسماء فى بلادنا لها دلالات متنوعة: اجتماعية واقتصادية ودينية.
فاختيار ما «عُبِّد وحُمِّد من الأسماء» أمر يحمل دلالة معينة على منسوب تدين ووضع اجتماعى ونظرة خاصة إلى الموروث الثقافى وهكذا، ويمكن أن تضيف إلى هذه الأسماء: عمار ويزيد وزياد وخالد وأسامة وغيرها. كما أن اختيار الأسماء ذات التسميع التركى أو الفارسى أو الغربى تعكس توجهاً ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً محدداً لدى قطاع معين من المصريين.
مؤكد أنك تتابع اتجاه البعض إلى «طلب مساعدة» من حولهم من أقارب وأصدقاء فى اختيار اسم غير متكرر لمولود أو مولودة قادمة، فثمة توجه لدى البعض نحو اختيار اسم «سينييه» للمواليد الجدد، وكلما كان الاسم غير شائع أو لم يسبق تداوله فى بورصة الأسماء كان محل إعجاب.
فى الماضى كان لمن يدخل حقل الفن اسمان: الاسم الحقيقى والاسم الفنى، وكان التوجه أن يتم الابتعاد عن الأسماء غير الشائعة إلى الاسم الشائع.. عبدالحليم مثلاً اقتبس اسم الإذاعى الراحل حافظ عبدالوهاب ليمثل اسمه الثانى بدلاً من اسم «شبانة»، فصار اسمه الفنى «عبدالحليم حافظ» فى المقابل تمسَّك شقيقه باسمه الحقيقى «إسماعيل شبانة» وقدم به نفسه إلى الجمهور.
أم كلثوم آثرت استخدام اسمها الحقيقى وفقط دون الاسم العائلى، أما الفنانة «فاطمة أحمد كمال شاكر» فقد اختارت لنفسها اسم «شادية» واشتهرت به بين الناس.
لم يكن هناك ميل إلى اختيار أسماء أو ألقاب شاذة عند اشتقاق الأسماء الفنية، بعبارة أخرى لم تكن أدوات النجارة «شاكوش» أو أسماء النباتات «عنبة» و«التوت» أو خلاف ذلك محل اهتمام من جانب الفنانين أو غيرهم من المشاهير وهم يختارون أسماءهم.
ليس معنى ذلك أن أسماء مثل «بصلة» و«شفة» و«جزرة» و«خشبة» و«عضمة» و«الجحش» و«الفيل» وغيرها لم تكن موجودة فى الماضى، فقد كانت ولم تزل جزءاً من أسماء الشهرة التى تشيع فى البيئات الشعبية المصرية، والقارئ لروايات نجيب محفوظ يجد أسماء عديدة من هذا النوع تقفز من فوق سطورها.
الشاهد أن أحداً لا يستطيع أن يثمن أو يقلل من قيمة اسم معين، ويقول إن هذا جيد وهذا ردىء، فالأسماء فى المجمل تعبر عن الحالة الثقافية السائدة، ومسألة رواجها أو تراجع أسهمها فى بورصة الحياة محكومة بحجم طلب الجمهور عليها.. الجمهور هو الأصل.