توقيت القاهرة المحلي 22:02:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأخلاق.. ومعادلة «الشح والإتاحة»

  مصر اليوم -

الأخلاق ومعادلة «الشح والإتاحة»

بقلم :د. محمود خليل

جمعتنى العديد من اللقاءات بالإعلامى الكبير الراحل محمود سلطان، وهو رجل عاش شبابه فى الستينات، أذكر أننى سمعت منه ذات مرة وصفاً لأهم ما ميز الجامعات خلال هذه الحقبة مقارنة بما بعدها، قال فيه إن ما أتيح أمام الطلبة من سلع استهلاكية فى ذلك الوقت لم يكن يمتاز بأى تفاوت، وكان الطالب الفقير والغنى يستطيعان شراءه، فالمتاح على مستوى الطعام هو ساندويتشات الفول والطعمية، أو الجبن بأنواعها المختلفة، والمشروبات: كوب الشاى أو فنجان القهوة أو زجاجة المياه الغازية واحدة، وكلها متوافرة بسعر يقدر عليه الفقير والغنى.

المعنى أن الوضع فى الستينات لم يشهد تفاوتاً فى المتاح من السلع الاستهلاكية يحوّل هذا الجانب المعيشى إلى ساحة للمنافسة بين الطلاب تبرز ثراء من يملكه، وتكشف عجز الفقير.

جرى ماء كثير فى النهر عند الانتقال إلى السبعينات، فالتحول من الثقافة الاشتراكية إلى ثقافة الانفتاح أدى إلى إتاحة الفرصة أمام من يملك المزيد من المال كى يتميز على محدود القدرة فى الملبس والمأكل والمسكن ووسيلة النقل، لأن المنافسة التى دخلت فى مجال الاقتصاد انتقل صداها إلى السلوكيات الاجتماعية.

لا أقصد بالطبع ترجيح الثقافة الاشتراكية ونعتها بالمثالية مقارنة بثقافة الانفتاح المحكومة بالمنافسة، أو القول بأن البيئة الأخلاقية المرتبطة بالاشتراكية أنقى وأكثر دفئاً من البيئة الأخلاقية المصاحبة لليبرالية، لأن التجربة تقول إن هناك مجتمعات أشد انفتاحاً من مصر السبعينات وما بعدها وأكثر منها ليبرالية ترتكن على منظومة أخلاقية متينة الأصول والفروع، ومن عاش فى أى مجتمع غربى لمدة من الزمن يدرك معنى ما أقول.

مجتمع الثقافة الاشتراكية اعتمد على الشح، فلم يكن متاحاً أمام كثير من المصريين فى الستينات سوى السلع المعيشية التى توزع عليهم فى التموين، ومن يريد البحث عن غيرها فى الأسواق سيلقى صعوبة كبيرة.

الشح أو ندرة المتاح قد يكون له تأثيرات إيجابية على صاحبه، فيعلمه الزهد والاكتفاء بالقليل، ويدفعه فى بعض الأحوال إلى الشعور بغيره، والميل بما يفيض عن حاجته على من يحتاج. زمان كان أى نقص فى أى سلعة تموينية، مثل الزيت أو السكر أو الأرز يُجبر مباشرة عن طريق سلف «كوباية» ممتلئة بالسلعة المطلوبة من الجيران.

مجتمع الانفتاح فى السبعينات كان على عكس ذلك، إذ لم يعد الشح سيد الموقف، بل باتت «الإتاحة» هى السائدة، فمنح القطاع الخاص الفرصة للعمل، وفتح باب الاستيراد، وإنشاء المدينة الحرة فى بورسعيد، أدى إلى توافر كل شىء فى الأسواق لمن يملك ثمنه، وليس ثمة من خلاف على أن سعر المستورد غير المحلى، وبالتالى أصبحت المساحة المتاحة أمام من يريد المنافسة وإثبات القدرة المالية كبيرة، ونتيجة ذلك معلومة بالضرورة وتتمثل فى «خلق النزعات والتطلعات الاستهلاكية».

الفارق بين حال الأخلاق فى الستينات والسبعينات هو ببساطة الفارق بين حال آباء اليوم الذين كانوا أطفالاً وصبية فى تلك الحقبة وكانوا يأكلون الكتب الدراسية بأسنانهم ويتفوقون دون دروس خصوصية أو كتب خارجية، وحال أبنائهم أو أحفادهم المتعثرين دراسياً اليوم رغم إتاحة كل سبل النجاح أمامهم.

شح الماضى أورث أصحابة تفوقاً.. ووفرة الحاضر أدت إلى العكس.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأخلاق ومعادلة «الشح والإتاحة» الأخلاق ومعادلة «الشح والإتاحة»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon