توقيت القاهرة المحلي 20:52:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأخلاق.. ومعادلة «الشح والإتاحة»

  مصر اليوم -

الأخلاق ومعادلة «الشح والإتاحة»

بقلم :د. محمود خليل

جمعتنى العديد من اللقاءات بالإعلامى الكبير الراحل محمود سلطان، وهو رجل عاش شبابه فى الستينات، أذكر أننى سمعت منه ذات مرة وصفاً لأهم ما ميز الجامعات خلال هذه الحقبة مقارنة بما بعدها، قال فيه إن ما أتيح أمام الطلبة من سلع استهلاكية فى ذلك الوقت لم يكن يمتاز بأى تفاوت، وكان الطالب الفقير والغنى يستطيعان شراءه، فالمتاح على مستوى الطعام هو ساندويتشات الفول والطعمية، أو الجبن بأنواعها المختلفة، والمشروبات: كوب الشاى أو فنجان القهوة أو زجاجة المياه الغازية واحدة، وكلها متوافرة بسعر يقدر عليه الفقير والغنى.

المعنى أن الوضع فى الستينات لم يشهد تفاوتاً فى المتاح من السلع الاستهلاكية يحوّل هذا الجانب المعيشى إلى ساحة للمنافسة بين الطلاب تبرز ثراء من يملكه، وتكشف عجز الفقير.

جرى ماء كثير فى النهر عند الانتقال إلى السبعينات، فالتحول من الثقافة الاشتراكية إلى ثقافة الانفتاح أدى إلى إتاحة الفرصة أمام من يملك المزيد من المال كى يتميز على محدود القدرة فى الملبس والمأكل والمسكن ووسيلة النقل، لأن المنافسة التى دخلت فى مجال الاقتصاد انتقل صداها إلى السلوكيات الاجتماعية.

لا أقصد بالطبع ترجيح الثقافة الاشتراكية ونعتها بالمثالية مقارنة بثقافة الانفتاح المحكومة بالمنافسة، أو القول بأن البيئة الأخلاقية المرتبطة بالاشتراكية أنقى وأكثر دفئاً من البيئة الأخلاقية المصاحبة لليبرالية، لأن التجربة تقول إن هناك مجتمعات أشد انفتاحاً من مصر السبعينات وما بعدها وأكثر منها ليبرالية ترتكن على منظومة أخلاقية متينة الأصول والفروع، ومن عاش فى أى مجتمع غربى لمدة من الزمن يدرك معنى ما أقول.

مجتمع الثقافة الاشتراكية اعتمد على الشح، فلم يكن متاحاً أمام كثير من المصريين فى الستينات سوى السلع المعيشية التى توزع عليهم فى التموين، ومن يريد البحث عن غيرها فى الأسواق سيلقى صعوبة كبيرة.

الشح أو ندرة المتاح قد يكون له تأثيرات إيجابية على صاحبه، فيعلمه الزهد والاكتفاء بالقليل، ويدفعه فى بعض الأحوال إلى الشعور بغيره، والميل بما يفيض عن حاجته على من يحتاج. زمان كان أى نقص فى أى سلعة تموينية، مثل الزيت أو السكر أو الأرز يُجبر مباشرة عن طريق سلف «كوباية» ممتلئة بالسلعة المطلوبة من الجيران.

مجتمع الانفتاح فى السبعينات كان على عكس ذلك، إذ لم يعد الشح سيد الموقف، بل باتت «الإتاحة» هى السائدة، فمنح القطاع الخاص الفرصة للعمل، وفتح باب الاستيراد، وإنشاء المدينة الحرة فى بورسعيد، أدى إلى توافر كل شىء فى الأسواق لمن يملك ثمنه، وليس ثمة من خلاف على أن سعر المستورد غير المحلى، وبالتالى أصبحت المساحة المتاحة أمام من يريد المنافسة وإثبات القدرة المالية كبيرة، ونتيجة ذلك معلومة بالضرورة وتتمثل فى «خلق النزعات والتطلعات الاستهلاكية».

الفارق بين حال الأخلاق فى الستينات والسبعينات هو ببساطة الفارق بين حال آباء اليوم الذين كانوا أطفالاً وصبية فى تلك الحقبة وكانوا يأكلون الكتب الدراسية بأسنانهم ويتفوقون دون دروس خصوصية أو كتب خارجية، وحال أبنائهم أو أحفادهم المتعثرين دراسياً اليوم رغم إتاحة كل سبل النجاح أمامهم.

شح الماضى أورث أصحابة تفوقاً.. ووفرة الحاضر أدت إلى العكس.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأخلاق ومعادلة «الشح والإتاحة» الأخلاق ومعادلة «الشح والإتاحة»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon