بقلم :د. محمود خليل
هناك من يبحث عن الوهم.. وهناك من يصدقه.. الباحث عن الوهم ومصدقه هما طرفا الصناعة الأهم التى راجت خلال السنوات الأخيرة: صناعة الوهم.
الأساس فى صناعة الوهم يتمثل فى اختراع فكرة دون أن يكون لها أصل فى الواقع، لتبدأ بعد ذلك مرحلة تسويقها لدى الجمهور الذى يهوى قطاع منه هذا النوع من الاختراعات ما دامت مغلفة بالإثارة أو محبوكة بمداعبة بعض آماله وأحلامه. أحداث عدة تشهد على هذه الحالة التى شاعت فى حياتنا مؤخراً.. موضوع كورونا بمفرده اشتمل على العديد من الاختراعات التى راجت وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى وداخل بعض وسائل الإعلام حتى بات البعض يستقبل العملة المزيفة فى سوق الوباء وكأنها حقيقية.
ألم تسمع عن أن من يتلقى اللقاح سيتحول إلى تمساح، أو يصبح «زومبى»، وأن كورونا يؤثر على مستوى الخصوبة، وغير ذلك من مضامين وجدت من يصغى إليها، بل يكررها دون أى تحقق من مصداقيتها، وحتى عندما يثبت له أنها لا تزيد على أكاذيب أو أوهام «فنكوش» يظل متمسكاً بها.
حالة «الفنكشة» لا تتعلق بكورونا وفقط، بل وصلت إلى غيرها، فالبعض لا يتردد -من أجل الشهرة والانتشار- فى حَبْك الأكاذيب والاختراعات ما دام يجد من يسمع له وينقل عنه. تجد ذلك حاضراً على سبيل المثال فى الشخص الذى خرج متحدثاً عن زواجه 33 مرة كمحلل شرعى، ثم أعلن بعدها أنه رفع دعوى قضائية لتكذيب ما سبق وصرح به، وأن الهدف مما فعله لم يكن سوى الشهرة التى أوهمه آخرون بأنه يمكن أن يحصل عليها لو «رطرط» بهذا الكلام. المشكلة أن البعض يحدد موقفه مما يسمع على أساس درجة إثارته أو خدمته لأهداف معينة يتغياها من وراء نشره وإشاعته، فيدفع به إلى دائرة الاهتمام العام، وهو على ثقة بأن الآراء سوف تنقسم حوله، وأن أحداً لن يهتم بمسألة التحقق من المصداقية فى زحمة المعارك الكلامية.
صناعة الوهم تنتعش فى الحالات التى يصادف فيها صانعها من يفضلون الظن على الحقيقة، والظن كما تعلم «أكذب الحديث»، وهو فى كل الحالات لا يُغنى من الحق شيئاً. يقول الله تعالى: «إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيئاً». الله تعالى أمرنا باجتناب الظن، ووصف بعضه بالإثم: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم». لقد أصبح البعض يتعيش على الكذب ونشر الأوهام، ويفرح حين يتغذى الآخرون عليه، وتلك واحدة من كبرى المشكلات التى نواجهها.
ويرتبط تقبل الناس للظنون بدرجة الثبات الانفعالى لديهم، فكلما اضطربت انفعالات الفرد أو اهتزت كان طيعاً بدرجة أكبر فى قبول الأوهام، إما إذا تماسك وارتكز فإنه يميل إلى التحقق من كل ما يسمع، أو فى أقل تقدير يقبل ما يقبله العقل ويرفض ما يرفضه.
فى مثل هذه الأجواء تنشط صناعة الوهم.. ومع توسعها يصبح الخوف كل الخوف أن تتحول حياتنا بمجملها إلى كذبة كبرى.