بقلم: د. محمود خليل
أبدى بعضهم نوعاً من الدهشة أمام واقعة اعتداء عدد من الأهالى على معلمة رفضت أن تُغشش أولادهم فى أحد الامتحانات داخل مدرسة بالسنبلاوين.
بصراحة لست أرى أى مجال للدهشة أو التعجّب فى الواقعة.. فهى ليست جديدة أو فريدة من نوعها، وتتكرّر بأشكال وصور مختلفة خلال الامتحانات، فالكل متفق على أن لموضوع الغش تجليات عدة فى نواحٍ أخرى من حياتنا، وليس مقصوراً على التعليم فقط.
العجب أو الغضب حتى لو تمت ترجمتهما فى إجراء لن يحل المشكلة، فسوف تظل قائمة، لأنها ترتبط بثقافة عامة ترسّخت عبر عدة عقود من الزمن.
فأوضاع المعلمين والتلامذة وأسلوب إدارة العملية التعليمية حالياً تختلف عما كانت عليه قبل عقود مديدة من الآن. كما أن قيماً مثل العلم والاجتهاد والاستقامة والصدق وغيرها باتت عملة بائرة فى سوق العصر، وما تم غرسه فى المجتمع على مدار عقود لن تغيره علامة تعجّب كبرى ترتسم على وجه، أو ملامح دهشة يفغر بها فم وتبحلق بها عينان، أو حتى قرار يتّخذه مسئول أو تشريع يشرعه المُقنّنون.
كبار المسئولين عن التعليم يكتفون بالسخرية من أحداث الغش فى الامتحانات ويلقون باللائمة على الناس الذين يؤثرون الشهادة على التعليم، ولا تهمهم الطريقة التى يجتاز بها أبناؤهم الامتحان، ويتندر بعضهم بالدعاء الذى تودّع به الأسر الصغار وهم فى طريقهم إلى الامتحان: «ربنا يسهل لك اللجنة»، وبعد فاصل السخرية يحدّثونك عن الخطوات التى اتخذوها فى تطوير التعليم وضبط نظم الامتحان عبر أدوات تكنولوجية قادرة على سحق ومحق عمليات الغش، رغم أن كل وسيلة ولها عند بعض المصريين حل وسبيل يمكنهم من الغش عبرها مهما كان تعقيدها.
المسئولون عن التعليم لا يعنيهم إلا الضبط المميكن للعميلة التعليمية، بغض النظر عن المخرجات.. مسألة «التربية» لا تعنيهم بالقدر الكافى.. وقضية الغش فى جوهرها قضية تربوية.. فتغيير الثقافة الاجتماعية السائدة يتطلب تدخلاً تربوياً، وجهداً يبذل على المستوى الاجتماعى العام لتغيير القيم السلبية السائدة لدى الأفراد، بما يترتب على ذلك من تعديل إيجابى على السلوك.
الغش حالة اجتماعية ومعالجتها تتطلب وجود مؤسسة مسئولة عن التربية.. الوزارة المسئولة عن المدارس لدينا اسمها وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى، لكن المسئولين فيها متفرّغون بشكل كامل للمسألة التعليمية، وهم معذورون كل العذر فى ذلك، فهم يديرون عملية معقّدة تستهدف ملايين التلاميذ فى المراحل الدراسية المختلفة، لذا فقد يكون من الأفضل أن تكون لدينا وزارة مستقلة للتربية.
وزارة التربية يمكن أن تكون مسئولة عن بذل الجهد المطلوب لتغيير الثقافة الاجتماعية السائدة، بالتعاون مع وزارة التعليم، ووزارة الثقافة، والهيئة الوطنية للإعلام وغيرها من الجهات المسئولة عن صناعة الفكر الذى يتسرّب إلى عقل ووجدان الكبار والصغار.
وزارة جديدة للتربية قد تكون أجدى فى مواجهة الغش من التعجّب المندهش أو الغضب المندفع.