بقلم: د. محمود خليل
حل المشكلات ذات الطابع الأخلاقى لا يتم عبر القوانين أو التشريعات بل عبر إحياء الضمير.
قد يقول قائل إن «إحياء الضمير» مثالية وهدف يصعب بلوغه، وبالتالى يكون اللجوء إلى التشريع أو التقنين طريقاً أسهل للتعامل مع المشكلات، لكن فى تقديرى أن هذا القول يحتاج إلى نوع من المراجعة.
فى سياق الحديث عن المشاكل التى تعانيها المرأة المطلقة التى يتخلى زوجها عنها وعن أولاده، بعد أن شقيت عمراً معه، أهلك فيه شبابها وصحتها ثم انفلت باحثاً عن غيرها، ضارباً بحقوقها وحقوق أبنائها عليه عرض الحائط.. مثل هذه المرأة تلجأ إلى القانون ويطول بها السعى والجرى بين المحاكم حتى تحصل على حقوقها، وقد تواجه زوجاً متلاعباً لا يعرف ربه ويراوغ على القانون فيما يملك أو فى دخله، وحين يحكم القضاء للمطلقة بحقها وحق أولادها فيما يملك قد يراوغ من جديد ولا يدفع.
لدينا ترسانة كبيرة من القوانين التى تحمى حقوق المرأة المطلقة، ورغم ذلك فإن مشكلاتها وأولادها باقية. البعض يفكر فى إضافة الجديد إليها. مطروح هذه الأيام -على سبيل المثال- سن تشريع أو قانون يمنح المرأة نصف الثروة التى كونها زوجها فى معيتها حال طلاقها أو وفاته، تماماً مثلما تنص القوانين فى بعض المجتمعات الغربية، وبدأت فكرة «الكد والسعاية» تستعاد من التراث الإسلامى ليتم الاستناد إليها فى تأكيد حق الزوجة التى تعبت وكدت مع زوجها فى نصف ثروته.
توجه طيب لا خلاف على ذلك، لكنه غير واقعى، وتقديرى أن مسألة «إحياء الضمير» التى توصف بالمثالية أكثر واقعية منه. السبب فى ذلك معلوم بالبداهة. فهناك بيئات داخل المجتمع المصرى ترفض إعطاء المرأة أى شىء، وتحرمها من حقها الذى سنه القانون وأقره الشرع فى الميراث.. القانون والشرع موجودان، لكن ضمير البعض يأبى.
يقول الله تعالى: «ولا تنسوا الفضل بينكم».. هذه الآية الكريمة تحمل معنى قيمياً كبيراً لو بات جزءاً من ثقافتنا الاجتماعية لأحدث التحول المطلوب دون حاجة إلى قوانين أو تشريعات.
المولى عز وجل يخاطب بهذه الآية مجتمعاً حى الضمير، يعرف فيه الأبناء فضل الآباء والأمهات عليهم، ويعرف فيه الأزواج فضل زوجاتهم، والزوجة فضل زوجها، ويعرف من يأخذ فضل من يعطيه، ومن يعطى فضل من يأخذ عليه، ويعرف الصغير فضل الكبير، والكبير فضل الصغير.
الله تعالى شرع العبادات كلها لهذا الهدف السامى، المتمثل فى إحياء الضمير، وقمة التعبير عنه تتمثل فى تقوى الله.. فمنصة التقوى لا يصل إليها إلا أصحاب الضمائر الحية الذين علمتهم الصلاة والصيام والحج والزكاة هذا المعنى الإيمانى العميق.
أين تقع مسألة «إحياء الضمير» على خريطة منتجاتنا الثقافية حالياً؟.. لقد كانت موجودة فيما سبق. اقرأ روايات نجيب محفوظ، أو يحيى حقى، أو يوسف إدريس، أو توفيق الحكيم. راجع مسلسلات أسامة أنور عكاشة أو يسرى الجندى أو محسن زايد، وستجدها تنطق بالمعانى الداعمة لفكرة إحياء الضمير.
وبإمكانك كى تتأكد من أن طريق الضمير كان الأنجح والأقصر فى حل المشكلة مراجعة معدلات الطلاق والجرائم الأسرية وغيرها قياساً إلى عدد السكان وقارنها بمثيلتها اليوم، وسوف تجد أن المسألة ليست مسألة قانون أو تشريع.. بل مسألة ضمير يدفع الأفراد إلى عدم نسيان الفضل بينهم.. إلا من منح ضميره إجازة.