بقلم: د. محمود خليل
معركة كتاب «لماذا أنا ملحد» من المعارك التى يجدر التذكير بها فى ظل الجدل الحالى الذى تشهده ساحة الدين فى العالم الإسلامى. بطلها هو المفكر إسماعيل أدهم الذى امتلك الجرأة على إعلان إلحاده وعدم إيمانه بالأديان، والأكثر من ذلك الإعلان الصريح عن قناعته فى رسالة منشورة ما زالت موجودة حتى اليوم. صدرت رسالة «لماذا أنا ملحد» عام 1927.
يذكر إسماعيل أدهم أن ثمة أسباباً كثيرة دعته إلى الوقوع فى هذا الأذى والتخلى عن فكرة الإيمان، منها ما هو علمى بحت، وما هو فلسفى صرف، ومنها ما هو بين بين، ومنها ما يرجع إلى بيئته وظروف نشأته، ومنها ما يعود لأسباب سيكولوجية.
ويصف «أدهم» حاله مع الإلحاد قائلاً: «أنا ملحد ونفسى ساكنة لهذا الإلحاد ومرتاحة إليه، فأنا لا أفترق من هذه الناحية عن المؤمن المتصوف فى إيمانه». وجوهر الإلحاد عند الكاتب هو «الإيمان بأن سبب الكون يتضمنه الكون فى ذاته، وأنه لا ثمة شىء وراء هذا العالم». ويفسر السبب العلمى للإلحاد من منطلق قاعدة أن العالم محكوم بالصدفة الشاملة وليس بالترتيب. واللافت أن إسماعيل أدهم يتهم عالم النسبية الشهير أينشتاين (المؤمن بوجود عقل مدبر وراء الكون) بالعجز عن إدراك قانون الصدفة الذى يحرك الكون والحياة من حولنا!
لا نستطيع القول بأن الإلحاد كان يمثل تياراً داخل مصر خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين، لكن فكرة نبذ الأديان والقفز عليها والالتفات إلى ما يقوله العلم كانت تجتذب نسبة من الشباب المتعلمين، فانتشار التعليم فى مصر وتركيا وغيرهما من بلاد العالم الإسلامى جعل الأجيال الجديدة تتحفظ على الحالة الدينية السائدة ونمط التدين الذى يرتكن إلى تهميش العقل ويُعلى من قيم الشكلانية والاحتفالية.
كان من الوارد أن يتمرد الجيل الذى تعلم أن العقل أصل العلم وأن العلم أصل الحياة على الأديان ومنظوماتها القيمية والأخلاقية التى كانت تتجلى فى صور سلوكية مشوَّهة لدى القطاع الأكبر من المتدينين.
الإشكالية التى واجهتها نسبة من جيل المتعلمين مع الدين خلال هذه الفترة أعادت التذكير بأهمية الأطروحة الإصلاحية التى تبناها الشيخ الإمام محمد عبده، والتى حاول من خلالها تجلية الوجه العقلانى للإسلام، والارتكان إلى العقل كأساس لفهم وتأويل النص الدينى. وهى الدعوة التى قوبلت بالتحفظ والرفض من جانب أنصار «التدين التقليدى».
لم يفهم التقليديون أن انتشار العلم والتكنولوجيا يمثل أخطر تهديد لأفكارهم ولطريقة تناولهم للمسائل الدينية، والأخطر أنه تهديد للدين فى ذاته، الذى يرفض أنصار العقل تقبُّل أفكار مَن يتحدثون باسمه، وفى الوقت نفسه لا يمنحون أنفسهم الفرصة للتعرف على الإسلام من خلال القرآن الكريم (النص الحامل للرسالة) بل من خلال وسطاء.
ولم تزل عادة التعرف على وفهم الإسلام من خلال ألسنة الدعاة والمتكلمين باسمه مستحكمة فى حياة المصريين حتى اللحظة، فالكثير من الناس يحرص على فهم الدين من خلال وسيط (أشبه بالمدرس الخصوصى) وينأى عن الاعتماد على الكتاب المقرر (القرآن الكريم).