بقلم: د. محمود خليل
بدأت «ندى» تشعر بتغيير ما فى زوجها عبدالعظيم، لكنها لم تلتفت، كانت نصيحة أمها لها قبل الزواج ألا تركز مع رجلها. فكثرة التركيز تورث القلق.. والرجال أحوال.. وأحوال عبدالعظيم كانت متغيرة. فى أحد الأيام رن جرس تليفون مكتبه فى الكلية، كانت «نجلاء» قالت له إنها تنتظره أمام البوابة الرئيسية للجامعة، وتريده فى موضوع مهم. توقع عبدالعظيم اتصالها فى أى وقت، خصوصاً بعد أن سمع من أحد زملائه أنها سألت عليه يوم الندوة، وقالت إنه قريبها.
نزل إليها بسيارته، فتركت سيارتها وركبت إلى جواره، أحس خالد بالمتعة وهى تجلس إلى جواره فى سيارته، شعر أنه يقودها لأول مرة. صمت لبعض الوقت ساد بينهما، ثم سألها «عبدالعظيم»:
- عبدالعظيم: خير.. إيه الموضوع المهم اللى عاوزانى فيه؟
- نجلاء (برقة): الموضوع يا سيدى إنى عاوزة أشوفك.
- عبدالعظيم (بعصبية مصطنعة): بمناسبة إيه؟
- نجلاء (ضاحكة): أبداً يا دكتور.. سمعت إننا ولاد خالة.. ووالدى ووالدك ولاد عم.. فقلت أتأكد.
- عبدالعظيم (ساخراً): أخبار أبوكى إيه.. لسَّه شغال جوز عند الهانم أمك؟
- نجلاء (باسمة): بالذمة دى ألفاظ دكتور كبير زيك.
- عبدالعظيم (بخبث): معلش أصلى تربية حوارى الخليفة وطولون.
- نجلاء (بخبث): كده.. طيب اطلع بينا ع الخليفة.
- عبدالعظيم (بمكر): عاوزة إيه م الخليفة؟
- نجلاء (وهى تضع يدها بتلقائية على كتفه): وحشتنى القعدة معاك.
تساءل «خالد» كثيراً لماذا سموا هذا الحى بـ«الخليفة»؟. أحياناً ما كان يطمئن إلى أن السر فى ذلك هو سكن الخلفاء الفاطميين فيه، لكنه مال بعد ذلك إلى ما قرأه فى أحد الكتب عما حدث أيام بيبرس البندقدارى. فبعد سقوط الخلافة العباسية على يد التتار، طرق أبواب مصر أيام الظاهر بيبرس شخص اسمه «الإمام أحمد» زعم أنه من نسل بنى العباس. خرج «بيبرس» لاستقباله عند الريدانية وعقد له مجلس بيعة ليتم تنصيبه خليفة عباسى جديد. بويع الإمام أحمد الثانى ولقبه القضاة بالحاكم بأمر الله، ثم بايع الإمام «أحمد» بيبرس البندقدارى بالسلطنة، واتخذ السلطان قراراً بأن تكون إقامته فى مصر، لتبداً سلسلة الخلفاء العباسيين فى المحروسة. سكن الخليفة فى منطقة مناظر الكبش التى تم بناؤها على جبل «يشكر» إلى جوار مسجد أحمد بن طولون، وانتقل نسل الخلفاء العباسيين من مكان إلى آخر فى المنطقة الممتدة من شارع طولون وحتى ميدان السيدة نفسية (وهى منطقة حى الخليفة)، لذلك سُمى هذا الحى باسمهم.
على أنقاض خلفاء بنى العباس وداخل البيت القديم بحى الخليفة بايعت نجلاء حمدى الأحمدى عبدالعظيم خالد الأحمدى سيداً لها، وكتبا فيما بينهما ورقة بذلك، واتفقا على شرط ألا يفرض أى منهما شيئاً على الآخر، وأن يستمتعا فقط بتوثيق الرباط القديم الذى ربط بينهما. فى أوقات كان «عبدالعظيم» يشعر بالذنب نحو «ندى» التى أعطته بلا حدود، لكن نهر المتعة الذى غرق فيه فيما تبقى من «نجلاء» أنساه، واندفع نحوها أكثر، حين قررت أن تنشئ معه شركة أدوية تتولى تمويلها، ويتولى إدارتها. عندما وصل خبر هذه الشركة إلى شقيقها «على الدين» ثارت ثائرته، وطلب من «نجلاء» أن تصفيها فوراً، فقابلت الأمر الذى وجهه إليها بالسخرية، وأمام أمها أمرته بألا يتدخل فى شأن علاقتها بعبدالعظيم مطلقاً، وأيدتها أحلام الأحمدى فى ذلك، ولما انفجر فى الاثنتين، ذكّرته «نجلاء» بمصير الأب حمدى السيد الذى صار شغال زوج عند الأم، ولمّحت له بأن الدنيا متقلبة ويمكن أن تتحول وظيفته فى هذه الإمبراطورية التى يرتع فيها فى لحظة إلى وظيفة «أخ» وأخ فقط. ثم أردفت قائلة: «المفاتيح فى يد أنثى الأحمدى.. وليس ذكورها».