بقلم: د. محمود خليل
هذا الرجل عاش مغبوناً سلطوياً.. محبوباً جماهيرياً.. لأنه أحب البسطاء من الناس أكثر مما أحب مغانم السلطة.. عن الشيخ عبدالعظيم زاهر أتحدث.
صوت الشيخ عبدالعظيم زاهر مزمار من مزامير داود.. بهذه الجملة أجاب الشيخ أبوالعينين شعيشع على إعلامى طلب منه وصف صوت الشيخ «زاهر».. آخر حبة فى سبحة المقرئين الكبار الشيخ محمد محمود الطبلاوى رحمة الله عليه، كان يردد دائماً أن الشيخ عبدالعظيم قارئه المفضل، وقد حاول جهد طاقته أن يقدم نسخة جديدة من صوته الخالد.
قال عنه الكاتب الراحل محمود السعدنى فى كتابه ألحان السماء: «الشيخ عبدالعظيم زاهر نسيج وحده.. لم يقلد أحداً.. ومن الصعب تقليده.. وهو علامة من علامات رمضان كما صوت الشيخ رفعت».. كلنا يذكر الأذان الشهير للشيخ عبدالعظيم زاهر فى «فيلم فى بيتنا رجل».. الأذان القادر على هز وجدان كل من يسمعه، وأصبح علامة مسجلة على الشهر الكريم.
رمضان بالنسبة للمصريين هو قرآن الشيخ «رفعت»، وأذان الشيخ «عبدالعظيم زاهر»، وابتهال الشيخ «سيد النقشبندى».
وصف عجيب لصوت الشيخ «زاهر» جاء على لسان أحد معجبيه كما يحكى محمود السعدنى.. قال فيه: «صوت الشيخ نسمة من الجنة».. الرجل البسيط لا يعرف الفرق بين القرار والجواب.. ولا يفهم فى المقامات الموسيقية، لكنه يحس بجلال القرآن وهو يُتلى بهذا الصوت الندى، ويتدفق نسمات روحانية عاطرة ومعطرة بروائح الجنة.
من يسمع صوت الشيخ «زاهر» وهو يتلو كلام الله يشعر أنه بين بساتين وأنهار جنان الخلد.. صوت يختزل فى نغماته كل الأحاسيس والمعانى التى سكنت وجدان الإنسان المصرى عبر التاريخ.. الإحساس بالحنين والشوق للسماء.. والإحساس بوجع الأرض وآلامها.. صوت فيه من جمال النيل ورقته.. وخصوبة أرضنا الطيبة.. وعمق تاريخنا الإنسانى المجيد.
ولأن الشيخ كان صاحب رأى ويفرض على من يتعامل معه أسلوباً وطريقة تتناسب معه كرجل حامل للقرآن الكريم، لم يحصل على التكريم الذى يستحقه فى حياته.. اكتفى فقط بالتربع داخل قلوب محبيه وعشاق طريقته الخاصة فى تلاوة القرآن الكريم.
البعض يقول إن طريقته الخشنة فى التعامل مع الآخرين هى التى حرمته من التكريم أثناء حياته، والحقيقة أن الشيخ عبدالعظيم عاش خادماً للقرآن الكريم.. ولم يهتم بغير ذلك.. وظل مخلصاً لكتاب الله إلى أن وافاه الأجل يوم 5 يناير سنة 1971.
ظل الشيخ حاضراً فى وجدان محبيه.. وغائباً على مستوى السلطة.. التى تذكرته فجأة بعد 20 سنة من وفاته حين قرر الرئيس الراحل حسنى مبارك تكريمه فى ليلة القدر سنة 1991 ومنح اسمه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى.
رحم الله عبدالعظيم زاهر.. الشيخ الجليل الذى عاش عمره مؤمناً بكرامته وموهبته الخاصة فى تلاوة القرآن الكريم، الرجل الذى تربع فى قلوب محبيه وكان ولا يزال رمزاً خالداً من رموز شهر الصوم.