بقلم: د. محمود خليل
الخير والشر يتمحوران دائماً حول شخصيتين يأتيان أفعالهما التى تصب فى خانة الخير أو مربع الشر، تجد ذلك واضحاً فى جميع الأعمال الدرامية، كما هو ظاهر فى الحياة.
ثمة شخصيتان عجيبتان تظهران فى مسلسل الشهد والدموع، تمارس الأولى الشر من أجل الشر، والثانية تؤدى الخير من أجل الخير ذاته.
«مختار البرهامى» -جسد دوره الفنان الكبير صبرى عبدالمنعم- صديق العمر لحافظ رضوان الثرى الكبير نموذج على الشخصية التى تأتى الشر من أجل الشر نفسه.. بعبارة أخرى «الشر عندها مزاج». فهو الذى دبر سرقة نصيب شوقى رضوان شقيق «حافظ» من ميراث أبيه، مما أدى إلى وفاته حسرة على ما ضاع، وهو الذى خطط ونفذ العديد من المكائد ضد أولاد شوقى وزوجته.
فعل كل ذلك دون أن يهتز له جفن، ودون أن يحصد أى مغنم أو يربح أى مكسب، فكل نتائج شروره صبت فى خدمة صديقه «حافظ». وعندما كان الأخير يعزف عنه أو يعيش لحظة استفاقة يدرك فيها حجم الجرم الذى ارتكبه فى حق شقيقه وزوجته وأولاده كان «البرهامى» يشعر بالضيق والهزيمة، لكنه كان يمكث منتظراً اللحظة التى سيأتيه فيها «حافظ» ليطلب منه الخدمة القديمة المتجددة، بأن يرتكب فعلاً شريراً فى حق «زينب وأولادها»، ولم يكن يمكث بعيداً.
إنها شجرة الشر التى ظل يرعاها مختار البرهامى عشقاً للشر فى حد ذاته، دون أن يستفيد من ثمرها، أو ظلها، إن صح أن لها ثمراً يؤكل أو ظلاً يستفاد منه.
فى المقابل تظهر شخصية «عبدالبديع» -جسدها الفنان الكبير نبيل الدسوقى- زوج «إحسان» شقيقة حافظ وشوقى. فالرجل لم يكن يفعل شيئاً فى حياته غير الطبطبة على كل من يقابله. طبطب على أولاد شوقى الحزانى وحاول مساعدتهم من خلال زوجته، طبطب على شقيق زوجته الصغير «وحيد» ورباه وكبر فى كنفه واعتبره ابنه الذى لم ينجبه، طبطب على زوجته إحسان، حتى حافظ الذى سرق حقوق إخوته ونكل بأولاد شوقى، طبطب عليه.
إنه الخير المحض.. الخير الذى يبذله الإنسان دون أن يرجو من ورائه أية فائدة أو منفعة.. الخير من أجل الخير ذاته.
العجيب أن أياً من الشخصيتين لا بد أن ينتهى سعيهما فى الحياة بلحظة استفاقة، يفهم فيها صاحب الشر علته، وأن عليه أن يتوقف عن معادلة «الشر من أجل الشر»، ويستوعب صاحب الخير فيها أن بذل الخير فى غير أهله لا يعكس معادلة توازن فى النظر إلى الحياة والأحياء.
جاءت اللحظة على مختار البرهامى حين حصد الشر الذى زرعه على مدار عمره فى ضياع ولده لحظة أن أدين بقتل شخص، وبات مصيره الإعدام، أما عبدالبديع فاستفاق حين وجد نفسه مضطراً إلى خوض مواجهة رادعة مع أم وحيد المتصابية التى تسببت فى كلكعة نفسية ولده بالتبنى، بسبب رغبتها المستمرة فى الزواج.
فى الحالتين لم تغير لحظة الاستفاقة من واقع الحال شيئاً.. فالشىء الذى يأتى بعد أوانه يبيت كالعدم.