توقيت القاهرة المحلي 11:21:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصدقات و«المعلوم»

  مصر اليوم -

الصدقات و«المعلوم»

بقلم: د. محمود خليل

جعل الإسلام الزكاة ركناً أصيلاً من أركان الدين، واعتبر الصدقات مفتاحاً من مفاتيح دخول الجنة. والهدف الواضح من الزكاة والصدقات (ويجمعهما مصطلح الإنفاق) تأكيد مبدأ التكافل بين البشر، بأن يعطف غنيهم على فقيرهم، ويميل من معه على من لا يملك، حتى تسود المحبة والسلام، وتزول الأحقاد والضغائن فى ما بينهم.

وقد وضع الإسلام مبدأين أساسيين لمن يُعطى ولمن يأخذ. ففرض على من ينفق أن يبتغى وجه الله تعالى فى ما يعطيه، ونهى عن الرياء فى الإنفاق: «وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا»، وفرض مبدأ التعفّف على من يأخذ ويمد يده: «يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا».

احتفى القرآن الكريم بمن ينفق أمواله ويتصدّق بها على من يحتاج إليها، لكنه فى الوقت نفسه لم يجعل من الإنفاق أداة يمكن الاعتماد عليها إلى ما لا نهاية، بل اعتبرها وسيلة من وسائل مساعدة من تضطره الظروف إلى أن يمد يده، حتى يصلح الله أحواله ويتحول من الأخذ إلى العطاء، ولم يجعل الزكاة عملاً مؤسسياً، بل نظر إليها كشكل من أشكال العبادة الفردية، شأنها فى ذلك شأن الصلاة والصيام والحج، وهى أمور يحاسب الإنسان عليها أمام ربه، وليس أمام إنسان أو جماعة أو سلطة.

عرف المصريون موضوع الصدقات حين فتح العرب مصر. ومن لحظتها استغرق بعضهم فيه، وبدأ يتمدّد من فرد إلى فرد، ومن مجموعة إلى مجموعة، مدفوعين فى ذلك برغبة بعضهم فى الكسب المريح، وحاجة بعضهم فعلياً إلى المساعدة، ذلك من ناحية، ومن ناحية أخرى، كان لتلك الخاصية التى تميز النفس المصرية من عاطفية وعطف على الآخرين، وميل إلى فكرة التكافل، دور مهم فى تحول أمر الصدقات إلى ظاهرة قديمة متجدّدة.

فمنذ العصر الفاطمى، وظاهرة التسول وجمع الصدقات واحدة من الظواهر المؤكدة فى ديار المحروسة، التى رسّخت مع مرور السنين والأيام، وتذكر كتب التراث أن الحكم الفاطمى كان يفرض ضرائب على المتسولين، بعد أن تحول بعضهم إلى أباطرة يجمعون أموالاً غزيرة من اتجاهات عدّة، ليس ذلك فقط، بل بدأت الدولة تدخل هى الأخرى كشريك فى المسألة، وأصبح «دفع المعلوم» جزءاً من مجالس الدعوة التى اجتهد شيوخ الشيعة من خلالها فى تعليم المصريين أصول مذهبهم.

وكلمة «المعلوم» فى الثقافة الشعبية المصرية لها دلالات كثيرة، من بينها «الضريبة»، و«الفردة»، و«الصدقة» التى يدفعها الأغنياء للفقراء. فهى مفردة جامعة لأى نوع من المال يتم جمعه بالضغط على الآخرين، أياً كان نوع هذا الضغط. وتتوافق هذه المفردة مع الوصف الذى خلعه القرآن الكريم على الصدقات، وذلك فى قوله تعالى: «وفى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم». زخم الماضى التحم مع ظروف الحاضر، ليجعل من التسول واحدة من الظواهر التى لفت المجتمع المصرى من جميع أنحائه، وحولته إلى ما يشبه «دكان شحاتة»!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصدقات و«المعلوم» الصدقات و«المعلوم»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 09:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
  مصر اليوم - ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ حماس

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى

GMT 20:31 2021 الثلاثاء ,01 حزيران / يونيو

وادي دجلة يكشف خطة الفريق للبقاء في الدوري الممتاز

GMT 09:26 2021 الأربعاء ,12 أيار / مايو

"الفيفا" يعلن مواعيد مباريات تصفيات كأس العرب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon