توقيت القاهرة المحلي 19:11:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصدقات و«المعلوم»

  مصر اليوم -

الصدقات و«المعلوم»

بقلم: د. محمود خليل

جعل الإسلام الزكاة ركناً أصيلاً من أركان الدين، واعتبر الصدقات مفتاحاً من مفاتيح دخول الجنة. والهدف الواضح من الزكاة والصدقات (ويجمعهما مصطلح الإنفاق) تأكيد مبدأ التكافل بين البشر، بأن يعطف غنيهم على فقيرهم، ويميل من معه على من لا يملك، حتى تسود المحبة والسلام، وتزول الأحقاد والضغائن فى ما بينهم.

وقد وضع الإسلام مبدأين أساسيين لمن يُعطى ولمن يأخذ. ففرض على من ينفق أن يبتغى وجه الله تعالى فى ما يعطيه، ونهى عن الرياء فى الإنفاق: «وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا»، وفرض مبدأ التعفّف على من يأخذ ويمد يده: «يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا».

احتفى القرآن الكريم بمن ينفق أمواله ويتصدّق بها على من يحتاج إليها، لكنه فى الوقت نفسه لم يجعل من الإنفاق أداة يمكن الاعتماد عليها إلى ما لا نهاية، بل اعتبرها وسيلة من وسائل مساعدة من تضطره الظروف إلى أن يمد يده، حتى يصلح الله أحواله ويتحول من الأخذ إلى العطاء، ولم يجعل الزكاة عملاً مؤسسياً، بل نظر إليها كشكل من أشكال العبادة الفردية، شأنها فى ذلك شأن الصلاة والصيام والحج، وهى أمور يحاسب الإنسان عليها أمام ربه، وليس أمام إنسان أو جماعة أو سلطة.

عرف المصريون موضوع الصدقات حين فتح العرب مصر. ومن لحظتها استغرق بعضهم فيه، وبدأ يتمدّد من فرد إلى فرد، ومن مجموعة إلى مجموعة، مدفوعين فى ذلك برغبة بعضهم فى الكسب المريح، وحاجة بعضهم فعلياً إلى المساعدة، ذلك من ناحية، ومن ناحية أخرى، كان لتلك الخاصية التى تميز النفس المصرية من عاطفية وعطف على الآخرين، وميل إلى فكرة التكافل، دور مهم فى تحول أمر الصدقات إلى ظاهرة قديمة متجدّدة.

فمنذ العصر الفاطمى، وظاهرة التسول وجمع الصدقات واحدة من الظواهر المؤكدة فى ديار المحروسة، التى رسّخت مع مرور السنين والأيام، وتذكر كتب التراث أن الحكم الفاطمى كان يفرض ضرائب على المتسولين، بعد أن تحول بعضهم إلى أباطرة يجمعون أموالاً غزيرة من اتجاهات عدّة، ليس ذلك فقط، بل بدأت الدولة تدخل هى الأخرى كشريك فى المسألة، وأصبح «دفع المعلوم» جزءاً من مجالس الدعوة التى اجتهد شيوخ الشيعة من خلالها فى تعليم المصريين أصول مذهبهم.

وكلمة «المعلوم» فى الثقافة الشعبية المصرية لها دلالات كثيرة، من بينها «الضريبة»، و«الفردة»، و«الصدقة» التى يدفعها الأغنياء للفقراء. فهى مفردة جامعة لأى نوع من المال يتم جمعه بالضغط على الآخرين، أياً كان نوع هذا الضغط. وتتوافق هذه المفردة مع الوصف الذى خلعه القرآن الكريم على الصدقات، وذلك فى قوله تعالى: «وفى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم». زخم الماضى التحم مع ظروف الحاضر، ليجعل من التسول واحدة من الظواهر التى لفت المجتمع المصرى من جميع أنحائه، وحولته إلى ما يشبه «دكان شحاتة»!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصدقات و«المعلوم» الصدقات و«المعلوم»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:47 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

ميسي وصيفا لـ محمد صلاح تسويقيا

GMT 16:55 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السويد تعتقل عراقيا اتهمته بالتجسس لصالح إيران

GMT 06:05 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

تعرّف على الفوائد الصحيّة لفيتامين "ك" ومصادره الطبيعية

GMT 05:39 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

حقيقة إصابة خالد الغندور بفيروس كورونا

GMT 07:44 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

سيفاس يفوز على دينيزليسبور بصعوبة في الدوري التركي

GMT 22:48 2018 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منى زكي تؤكد هشام نزيه موسيقار عبقري ويستحق التكريم

GMT 09:07 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

رجل يعتدي على فتاة بالضرب بسبب صفّ السيارات في تكساس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon