بقلم: د. محمود خليل
لماذا يصر البعض على تحويل مباراة فى كرة القدم إلى معركة؟
لقد لمنا صامويل إيتو، رئيس الاتحاد الكاميرونى، عندما وصف موقعة فريق الكاميرون فى الدور قبل النهائى بالحرب.. واجتهد الرجل بعد ذلك فى شرح موقفه، وأكد أنه لم يكن يقصد المعنى الذى فُهم من عبارته.
الدكتور أشرف صبحى، وزير الشباب والرياضة، التقى لاعبى المنتخب المصرى عقب انتهاء المباراة وقال لهم: «لا بد أن نقف على أقدامنا، أنتم اكتسبتم احترام الجميع، لا تنكسروا، مصر فى عام 67 الجميع قال إن البلد لن يقف مرة أخرى ولكن فى 73 ظهرنا مرة أخرى وبلداً جديداً».
ما معنى هذا الكلام.. وما المنطق فى هذا التشبيه؟ لقد بالغ أشرف صبحى كثيراً باستدعاء حدث النكسة فى هذا السياق.. ثم إن النصر الذى حققناه فى 1973 تأسس على وعى كامل بما وقعنا فيه من أخطاء عام 1967، فى حين بدا حديث الوزير للاعبى المنتخب تبريرياً لا يشير إلى أى أخطاء وقع فيها الفريق أو جهازه الفنى، وبالتالى فليس لدينا ما نُصلحه، وكل ما علينا هو الاستعداد بالطريقة نفسها وبالأسلوب ذاته لمواجهة السنغال فى التصفيات المؤهلة لكأس العالم.
بعد حديث الوزير علت أصوات بعض اللاعبين أكثر، وبادر بعضهم إلى وصف المباراة القادمة بـ«المباراة الثأرية»، وأننا -بطبيعتنا وتركيبتنا- لا نسكت على ثأر، وأننا سنأخذ حقنا من السنغال فى عقر دارهم.
كلام حنجورى من طراز رفيع.. وهو فى كل الأحوال لا يبشر بخير، فالانتصار فى أى شأن من شئون الحياة ليس مداره رفع الشعارات أو الثرثرة بالكلمات، بل أساسه التخطيط والإعداد الجيد، أما التغطية بالكلام الحنجورى على الأداء العقيم والأساليب التقليدية فى اللعب فلن تُغنى عن الواقع شيئاً، لأن الواقع يفرض نفسه فى كل الأحوال.
نحن بحاجة إلى أن نضع الأمور فى حجمها.. لاعبو المنتخب المصرى اجتهدوا قدر طاقتهم، لكن اجتهادهم كان فردياً، وبرز أكثر ما برز على مستوى الدفاع وليس الهجوم.. لقد خضنا بالفعل ماراثون الوقت الإضافى 4 مرات، وضربات الجزاء ثلاث مرات، واتانا الحظ مرتين وفزنا بضربات الترجيح، لكننا لم نفلح فى الثالثة. لا توجد كرة تعتمد على الدفاع على طول الخط، أو الهجوم طول الوقت، اللعب أساسه التوازن، والارتكان إلى نفس الأسلوب أو المنهجية سوف يُفضى بالضرورة إلى نفس النتائج.
علينا أيضاً أن نستوعب أن كرة القدم لعبة، وملاعب الكرة ساحة للتسلية ليس أكثر، والمفترض أنها تقرّب بين الشعوب والجماعات، ولا تسعى إلى زرع الضغائن أو الحزازات فيما بينهم.
لن يحقق أحد فى عالم كرة القدم ما حققه البرازيليون، لكن يبقى أن النجاح فى عالم الكرة لم يضف جديداً إلى أوضاعهم السياسية أو الاقتصادية، وفى عز مجد البرازيل أيام بيليه كان الشعب يعانى على مستويات عدة، ولم تُغنِ عنهم النجاحات فى عالم الكرة شيئاً.
أى إنجاز كروى، مهما عظم، لن يُصلح اقتصاداً ولن يقيم سياسة، وأى هزيمة فيها مسألة يتوجب قبولها بروح رياضية.. فاللعب غالب ومغلوب.