بقلم: د. محمود خليل
شوية صور لناس شايلة شهادات تقدير فى إيدها.. ضعهم مع كلمتين فى بوست.. وبكده تبقى أنجزت.. ولكى تتثبت من إنجازك راجع حسابك كل دقيقة لمتابعة التعليقات والشير واللايك واللاف والذى منه، ولتقر عينك بما تقرأ من كلمات مهنئة أو محتفية أو مباركة إنجازك الرهيب.. بعدها اذهب إلى سريرك ونم قرير العين واحلم أحلاماً سعيدة.
هكذا أصبح مفهوم الإنجاز لدينا شوية ورق على شوية احتفالات على شوية بوستات مضروبين فى خلاط افتراضى لا علاقة له بالواقع من قريب أو من بعيد.
وأسهل طريق للعب بهذه الطريقة أن تختار موضوعات احتفالياتك من النوع الدسم الطنان الرنان العالى حتى يسكت عنك من لديهم تحفظ على هذا النوع من الأداء، ولكى تحظى فى الوقت نفسه بأعلى قدر من التعليقات المرضية على إنجاز افتراضى ليس له صدى فى الواقع.. فهذا يقول لك: «إلى الأمام يا روميل».. وذاك يقول لك «أنت نموذج على الأداء الرشيد» وذلك يقول: «أحسنت والله وأحسن شاعرك».
كل حساب على مواقع التواصل هو مجموعة مغلقة من الأصدقاء والمحاسيب الذين يحبون تسجيل حضورهم فى الحدث الصورى الورقى الافتراضى الجلل من خلال التعليق أو المشاركة أو الإيموشن.. والإيموشن أضعف الإيمان.
احتفالية تعقبها احتفالية، وندوة تتبعها ندوة، ومؤتمر يتلوه مؤتمر، ولا شىء يتحسن فى الأداء العام داخل المؤسسات التى يفهم القائمون عليها الإنجاز بهذه الصورة أو الطريقة.. ففرق كبير بين حديث العقل الهادف إلى الإصلاح وحديث الصورة الهادف للتلميع.
لدينا مثل لطيف للغاية يقول: «من بره الله الله.. ومن جوه يعلم الله».. هذا المثل يشرح لك ببساطة ما أتحدث عنه.. فمن يرى أية مؤسسة يوم الاحتفالية، وقد تأنق كبارها ولبسوا اللى على الحبل، ونظفوا مكان أو قاعة الاحتفال، ونثروا الورود فى كل مكان، لا يراها فى أيامها العادية، لا يرى شكل المكاتب المهملة، والخدمات المتعطلة، والإهمال فى الأدوات التى تخدم بها المؤسسة المتعاملين معها.. فالأهم إعداد مكان التصوير، حتى ولو كان مسرحاً مضيئاً فى خرابة.. والاطمئنان إلى وجود أكبر عدد من حاملى الموبايل وعناكب التواصل الاجتماعى، لأن هؤلاء هم من سيقومون بالتصوير والتشيير والذى منه.
لك أن تتصور الحال لو وُجهت الأموال التى تنفق على الإنجازات الافتراضية إلى حل المشكلات الحقيقية والواقعية التى تعانيها بعض المؤسسات، ولكن كيف ذلك والكل يريد «الصورة» وليس «الواقع»؟.. فإصلاح دورات المياه داخل مؤسسة ما -على سبيل المثال- أمر «موش متشاف» داخل العالم الافتراضى، لذا فالأفضل هو الاحتفالية المصورة بأى مناسبة تسمع هنا وهناك، فالصورة الاحتفالية - فى نظرية الإنجاز الافتراضى- خير من ألف إنجاز «موش متشاف» إلا لمن يتعاملون مع المؤسسة.
فارق كبير بين العمل الحقيقى الذى يطور الأداء على الأرض ويحل المشكلات التى يعانى منها المجموع، وبين المراوغة على الواقع بإنجازات وهمية لفرد.
استقيموا يرحمكم الله.