بقلم: د. محمود خليل
فى مداخلة تليفونية مع برنامج «مساء دى إم سى» وجَّه الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الرى، رسالة إلى المواطن المصرى يقول فيها: «مش عايزك تطمّن فى موضوع سد النهضة؛ علشان تحافظ على المورد المائى، وترشد الاستهلاك، وتعلم أن كل نقطة مياه هتتوفر هى استثمار للمستقبل، بندير المياه بالقطرة وكل نقطة بتفرق».
كلام الوزير منطقى وسليم.. فالمواطن مطالب بالفعل بأن يحافظ على كل نقطة مياه، مطالب بالتدبير حتى ولو كان على بير. فأى إهدار لنقطة مياه يمثل إهداراً للحياة، أما بالنسبة لموضوع سد النهضة فأظن أن أغلب المواطنين غير مطمئنين، وخطاب وزير الرى نفسه يعبر عن عدم اطمئنان ووعى كامل بخطورة وحرج مسألة النيل بالنسبة لبلادنا.
الدكتور عبدالعاطى قال إن المواطن أصبح لديه وعى بأهمية الحفاظ على المياه لكن هذا الوعى لم يتحول لأفعال حتى الآن.
بالفعل لا بد أن يترجم الوعى فى أفعال. فالمواطن القلق على مياه النيل لا بد أن يحافظ على كل نقطة مياه، وأيضاً الحكومة القلقة بشأن موضوع سد النهضة لا بد أن تترجم قلقها إلى أفعال على الأرض.
مفاوضات السد متوقفة منذ عدة شهور، وإثيوبيا شرعت فى التحضير لتوليد الكهرباء من توربينين خلال الأسابيع القادمة، كما تشير التقارير الإعلامية، يضاف إلى ذلك استعدادها لتعلية السد بحيث يكون جاهزاً لمرحلة الملء الثالث خلال موسم الفيضان المقبل.
الحكومة المصرية فاوضت وتحركت على المستويات الدولية، دون أن تحرك إثيوبيا ساكناً، فما زالت تصر على موقفها المتعنت، وتصمم على ملء السد وإدارته وتشغيله طبقاً لتصوراتها وخططها، من غير أن تأبه إلى الأضرار التى يمكن أن تلحق بمصر والسودان.
الإعلام المصرى انشغل منذ فترة بالصراع الأهلى الجارى فى إثيوبيا بين حكومة آبى أحمد والتيجراى، وتعشمت بعض الأصوات أن يحسم التيجراى الصراع لصالحهم، وهماً بأنهم سوف يأتون بالتايهة ويبدون مرونة أكبر فى التفاوض، دون وعى بأن موقف كل القوميات الإثيوبية من السد موحد، وليس هناك خلافات بينها على هذا المستوى، وقد انتهى الأمر كما تعلم بسيطرة مؤقتة لآبى أحمد على المشهد.
أما السودان فتعانى هذه الأيام من أزمة سياسية لا يدرى أحد مآلاتها.
كيف تخطط الحكومة أمام هذه المشاهد؟ هل ستضع همها فى المواطن وتكتفى بمجرد توعيته بأهمية الحفاظ على نقطة الماء وتوجه له التحايا إذا التزم والعتاب إذا أهدر؟.. ما موقفها من ملف سد النهضة الذى يتعقد يوماً بعد يوم؟ وكيف ستتحرك إزاء إقدام إثيوبيا على الملء الثالث الذى سيصل بالمياه المخزنة وراء السد إلى نحو 29 مليار متر مكعب؟
هذه الأسئلة وغيرها تثير قلق المواطن، وبالتالى فهو ليس بحاجة إلى أن توجه له الحكومة دعوة للقلق وعدم الاطمئنان على مياه النيل. أظن أن الحكومة هى الأخرى بحاجة إلى أن تقلق وأن تترجم قلقها فى تحركات على الأرض، ولا تؤدى فى العام 2022 الذى سوف يشهد الملء الثالث بالطريقة التى تعاملت بها خلال مرحلتى الملء الأول والثانى.
مش عاوزين الحكومة تطمن فى موضوع سد النهضة!