بقلم: د. محمود خليل
مرتبات أساتذة الجامعات لم تعد تسر قريباً ولا بعيداً بعد أن مضغها وهضمها التضخم.. الحالة الصعبة التى يعيشها من امتهنوا مهنة البحث العلمى وتعليم الأجيال فى كافة التخصصات أثارت عطف نائب الشعب خالد بدوى فتقدم بطلب إحاطة للمستشار حنفى الجبالى رئيس مجلس النواب بشأن تدنى مرتبات أساتذة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية.
تساءل عضو «النواب»: هل يعقل أن يتقاضى المعيد 2700 جنيه شهرياً، ويتقاضى المدرس الجامعى 5000 جنيه شهرياً، ويتقاضى الأستاذ 7000 جنيه شهرياً؟
وللعلم.. الأستاذ الذى يقبض آخر كل شهر 7000 جنيه هو الشخص الذى يحمل أرفع درجة جامعية ويحصل عليها من أنجز الماجستير ثم الدكتوراه ثم رُقِّى إلى درجة أستاذ مساعد ثم أستاذ دكتور، وهى رحلة ينجزها الشخص المجتهد بحثياً خلال مدة تقترب من 20 عاماً من تاريخ تعيينه معيداً.
الـ7000 جنيه التى تعطيها الجامعة للأستاذ الذى أفنى عمره فى البحث هى أقل من مرتبات الخريجين فى بعض القطاعات ممن تعلموا على يديه، فحديث التخرج الذى يعمل فى البنوك أو فى قطاع الحاسبات أو غيرهما يحصل على ما يزيد عن هذا الرقم، وأحياناً ما يكون مرتبه أضعافه.. فهل هذا منطق أو عدل؟
هذا الوضع المختل أدى الآن إلى عزوف أوائل الدفعات فى العديد من التخصصات عن قبول تكليف الجامعة لهم بالعمل كمعيدين فى كلياتهم، لأنهم لا يريدون خوض رحلة الفقر التى خاضها أساتذتهم، ولأن فرصاً أفضل للحصول على مرتبات مُرضية تنتظرهم خارج أسوار الجامعة، ويعنى ذلك أنه بمرور الوقت ستخلو الجامعة من الكوادر التى تمكّنها من القيام بمهمتها فى تربية وتعليم الأجيال الجديدة. ولا أستطيع أن أحدد على وجه التحديد العلاقة بين هروب الأجيال الجديدة من العمل بالجامعة والتعديل الذى تم إجراؤه على قانون تنظيم الجامعات ويمنح الأساتذة المتفرغين الحق فى الجمع بين المكافأة التى يحصلون عليها من الجامعة بعد التقاعد بالإضافة إلى المعاش وكذلك منحهم كافة حقوق وواجبات الأساتذة العاملين عدا تولى المناصب الإدارية.
وإذا كنا نطالب الحكومة بالتدخل لتحسين أوضاع الأساتذة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، فإننا لا نغفل دور الجامعات نفسها فى حل المشكلة. فالجامعات يا سادة ليست فقيرة، بل ثرية وتتوافر لها دخول يمكن أن تسهم فى تحسين أوضاع العاملين بها، لو تم توزيعها بعدالة، وليس طبقاً لقواعد «الحظ والمحاظيظ». ليس يعقل أن توجد قاعدة عريضة من الأساتذة يقبعون فى مربع الفقر -بالمعنى الكامل للكلمة- وقلة قليلة تتمثل فى القيادات الجامعية تبلغ دخولها مستويات تضعهم ضمن من ينعمون بالحياة المخملية، هؤلاء الذين يصلهم من حين إلى آخر لفت نظر بأنهم تجاوزوا سقف المكافآت التى يحق لهم الحصول عليها!.
أوضاع الأساتذة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات أصبحت تستوجب وقفة قبل أن نصحو فى يوم لنجد أن مهنة «العالِم» أو «الباحث» قد اختفت فى مصر بعد أن انقرض «العلم» نفسه.