محمود خليل
إعلانات لا حصر لها تتدفق يومياً عبر رسائل الموبايل القصيرة وعلى مواقع التواصل الاجتماعى، تتضمّن عروضاً لشراء شقق وفيلات بمواقع مختلفة، قد يكون من بينها المشروع الذى تباع أقل فيلا فيه بـ4 ملايين جنيه، لأن صاحبه يستهدف شباب الطبقة الوسطى المتعلم!
لا خلاف على جدوى الإعلانات كأداة للترويج، لكن كثرتها بهذه الصورة، والتماسها سبل الترويج غير المكلف عبر الرسائل القصيرة ومواقع التواصل الاجتماعى يؤشران إلى وجود مشكلة فى الطلب على ما تروّج له من منتجات.
تاريخ الاستثمار العقارى فى مصر يقول إن أغلب هذه المشروعات استهدف بالأساس أفراد الطبقة المتوسطة، خصوصاً أن ثقافة الادخار لدى أفراد هذه الطبقة ظلت على مدى زمنى طويل تفضّل العقار كوعاء ادخارى على ما عداه من الأوعية، بسبب قدرته على التواؤم مع معدلات التضخم بكفاءة أعلى، فسعره كان يزيد بمرور الوقت، ناهيك عن إمكانية استثماره إيجارياً، وبناء على ذلك كان كل من يتراكم لديه «قرشين»، سواء من العاملين بالخارج أو بالداخل، يتجه إلى شراء العقارات، وقد شهدت العقود الماضية فترات رواج ملحوظ على هذا المستوى. القاعدة التى حكمت استثمار الطبقة الوسطى فى العقارات تمثلت فى «سهولة البيع عند الحاجة»، فكما كان الشراء سهلاً لمن يملك ثمن العقار، كان البيع سهلاً أيضاً حينما يريد، ولك أن تتصور حال الفرد الذى يريد بيع شقة، حين يعز البيع على الشركات الكبرى، كما لك أن تتوقع النتائج التى يمكن أن تترتب على صعوبة البيع وحالة الركود التى يمكن أن تضرب الأسواق جرّاء ذلك.
تحريك سوق العقارات «المتوسطة» اعتمد فى السابق على قدرة أفراد الطبقة المتوسطة على مراكمة المدخرات، وقد اختلف الوضع خلال السنوات الأخيرة، بسبب «إجراءات الإصلاح الاقتصادى» التى أدت إلى استنزاف دخل الأسر المنتمية إلى هذه الطبقة فى تمويل الاحتياجات الأساسية على مستوى الغذاء والكساء والتعليم والصحة والخدمات وغيرها، بل يمكن القول بأن نسبة لا بأس بها من أفراد هذه الطبقة تدحرجت إلى الأسفل ونزل بعضها درجة أو درجتين، وبعضها الآخر بات يصنف ضمن الطبقة الفقيرة. والنتيجة ضعف القدرة الشرائية للطبقة الأقدر على تحريك الأسواق، بسبب ميولها الاستهلاكية التاريخية. إنعاش الطبقة الوسطى بات واجب الوقت، وقد اتخذت الحكومة خطوة جيدة فى هذا الاتجاه حين نفت إضافة أى أعباء ضريبية جديدة على المواطن خلال الفترة القادمة، فيكفيه ما هو فيه. خطوات أخرى لا بد من اتخاذها خلال المرحلة القادمة، تتمثل فى البحث عن مجالات أخرى للاستثمار بعيداً عن الغرام التاريخى بمجالى العقارات والاتصالات، فأنماط الاستثمار الزراعى والصناعى والسياحى هى الأقدر على تحريك الأسواق من خلال توفير فرص عمل ودخول أفضل.
الاستمرار على ذات الطريقة فى الأداء سوف يعقد المشكلة أكثر، والإصرار على المزيد من الإنتاج فى سوق متشبع يتحرك فيه مستهلك محدود أو ضامر على مستوى القدرة الشرائية سوف يؤدى إلى مزيد من الأزمات.