توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الطبيب المهاجر

  مصر اليوم -

الطبيب المهاجر

بقلم: د. محمود خليل

المجتمعات الطاردة هى ببساطة المجتمعات التى يصعب العيش فيها، فتدفع أبناءها إلى التحرك نحو غيرها من المجتمعات الجاذبة التى تتيسر فيها سبل العيش.

أواخر الستينات وأوائل السبعينات كانت هناك موجة هجرة واسعة من جانب بعض المصريين نحو العديد من الدول الغربية والعربية. وجدت هذه الموجة تفسيرها فى «غياب الأمل» بالمدلول الواسع لهذه العبارة. كان الشباب حينذاك يسيطر عليه إحساس باليأس من إصلاح الأحوال الفردية وصلاح الأحوال العامة، وترتيباً على ذلك فقد حوّل قبلته بعيداً عن الأرض التى ولد ونشأ فيها ووجهها إلى أرض الهجرة، فاتجه من يمتلك القدرات والمؤهلات المناسبة للعيش فى المجتمعات الغربية إلى الهجرة إليها، وتوجه الباحثون عن «قرشين» -خصوصاً بعد العام 1973- إلى العمل كموظفين فى الدول العربية.

فى رواية «الحب تحت المطر» عبّر الأديب نجيب محفوظ عن الحالة التى ضربت المجتمع المصرى أواخر الستينات من خلال شخصية الطبيب «على زهران» الذى تخرّج من كلية الطب بترتيب الأول على دفعته، وكان من حقه الحصول على بعثة للدراسة بألمانيا، لكن يد المسئولين «الطايلة» حرمته من حلمه، ومنحت البعثة للثالث على الدفعة، وانتهى به الأمر إلى العمل طبيباً للبحوث بوزارة الصحة، وكانت النتيجة أن قرر الهجرة. دخل فى نقاش حاد مع أبيه الذى كان يرى فى قرار ولده تسرعاً غير مبرر، لكن «على» كان قد عزم أمره من منطلق البحث عن مكان يجد فيه راحته، وتتيسر فيه سبل العيش.

مثّلت شخصية «على زهران» فى ذلك الوقت نموذجاً لشباب مصريين كثر، أطباء ومهندسين ومعلمين وغيرهم، قرر بعضهم الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية أخرى، وسافر بعضهم للعمل بالدول العربية، وكان القاسم المشترك الأعظم بين الجميع هو فقدان الأمل فى تحسن الأوضاع.

المصرى بطبيعته شديد الارتباط بالأرض التى نبت فيها، وقد يثقل عليه فى بعض الأحوال مجرد الانتقال من الحى الذى نشأ فيه، ليسكن حياً جديداً، بسبب الرباط العميق الذى يربطه بالمكان، وهو لا يتزحزح من فوق تراب بلاده إلا مضطراً، وكل تجارب السفر تشهد على مرارة الإحساس بالغربة الذى يعيشه المصرى بعيداً عن الأهل والوطن.

غياب الأمل هو العامل الأخطر فى ارتخاء الحبل المتين الذى كان يربط «على زهران» -أحد أبطال رواية «الحب تحت المطر»- وأرض بلاده، فدفعه كطبيب شاب إلى التفكير فى الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وغياب الأمل يجد ترجمته فى مؤشرات عديدة من بينها: سقوط مبدأ تكافؤ الفرص، وسيطرة الفساد على الواقع بسبب تصدر الشخصيات محدودة القدرة للمشهد، يضاف إلى ذلك بالطبع الأوجاع الاقتصادية وعدم قدرة الشاب على تحقيق ذاته، والحصول على المتطلبات الأساسية لبناء الحياة وتكوين أسرة، بما يترتب على ذلك من إحساس داهم بالإحباط، ينساق معه الفرد إلى البحث عن حياة جديدة تمنحه ولو قدراً ضئيلاً من الأمل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطبيب المهاجر الطبيب المهاجر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon