بقلم :د. محمود خليل
كان أبومسلم الخراسانى واحداً من أشد المنادين بأحقية أهل بيت النبى فى حكم المسلمين خلال العصر الأموى، ومن أبرز الداعين لبنى العباس الذين أسسوا الدولة العباسية، ورغم ما لفَّ نَسَبه من غموض فإن أغلب النصوص التاريخية تشير إلى أنه فارسى الأصل وُلد بمدينة «أصبهان» لأب فارسى.
احتضن السجن الظهور الأول لأبى مسلم الخراسانى فى تاريخ الدعوة العباسية. فقد التقى به بعض الدعاة العباسيين، عندما كان يقبع فى السجن، ويقال إن «الخراسانى» لم يكن سجيناً فى ذلك الوقت بل كان يخدم مجموعة السجناء السياسيين المتمردين على الحكم الأموى تحت غطاء التشيع لأهل بيت النبى.
اتصل أبومسلم منذ أن كان غلاماً بمحمد بن إبراهيم الإمام -المؤسس الأول للدولة العباسية- وكان واحداً من أكثر دعاته نشاطاً ودأباً فى خراسان وغيرها من الولايات، وتمكن من حشد الأتباع من كل اتجاه وكوَّن بهم جيشاً تولى قيادته، وبدأ ينابذ بنى أمية به.
وبسبب الدور المهم الذى قام به أبومسلم فى تأسيس الدولة العباسية، وهو الدور الذى يقر به جميع المؤرخين، والخدمات المهمة التى أسداها إلى خلفائها وخصوصاً «المنصور» أصابه إحساس خطير بالغرور، ودعم من ذلك التفاف عشرات الألوف من الأتباع والموالين له بخراسان من حوله. وعلى الضفة الأخرى للنهر كان «المنصور» يرى أن «الخراسانى» تضخم أكثر من اللازم وأصبح منافساً خطيراً له وأن الخلافة لن تصفو له إلا بالقضاء عليه، خصوصاً أنه أحس منذ فترة مبكرة بفائض القوة الذى يشعر به الخراسانى ونصح أخاه الخليفة بقتله، لكنه رفض. وعندما وصل العرش إلى «المنصور» أخذ يماكر ويخادع أبا مسلم وينصب له الفخاخ حتى يأتيه إلى بغداد بعيداً عن المنعة التى يحظى بها فى خراسان ليتخلص منه، لكن «الخراسانى» كان فطناً ولم تنفع معه هذه الحيل مدة من الزمن.
أرسل المنصور إلى أبى مسلم يقول له: احذر البغى أبا مسلم فإنه من بغى واعتدى تخلى الله عنه ونصر عليه من يصرعه، واحذر أن تكون سنة فى الذين قد خلوا من قبلك، ومثلة لمن يأتى بعدك، فقد قامت الحجة وأعذرت إليك وإلى أهل طاعتى فيك، قال تعالى: «واتلُ عليهم نبأ الذى آتيناه آياتِنا فانسلخَ منها فأتبعه الشيطانُ فكان من الغاوين». فردَّ عليه «الخراسانى» قائلاً: «أما بعد، فقد قرأت كتابك فرأيتك فيه للصواب مجانباً وعن الحق حائداً، إذ تضرب فيه الأمثال على غير أشكالها، وكتبت إلىَّ فيه آيات منزلة من الله للكافرين وما يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون».
تعددت الرسائل بين «الخراسانى» الناقم على الدولة التى ساهم فى بنائها بعد أن آل الحكم إلى بنى العباس، والخليفة «المنصور» المدافع عن ملك العرب، واعتمد الأخير على الحيلة فى جر الأول، فعمل على استدراجه إلى بغداد، ونجح فى ذلك.
لما وقف «الخراسانى» بين يدى «المنصور» جعل الأخير يعاتبه فيما صنع، والأول يعتذر، ثم قال: يا أمير المؤمنين أرجو أن تكون نفسك قد طابت علىَّ، فقال المنصور: أما والله ما زادنى هذا إلا غيظاً عليك، ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى، فخرج المكلفون بقتله فضربوه بالسيوف حتى قتلوه ولفوه فى عباءة ثم أمر بإلقائه فى دجلة. وكان ذلك فى سنة 137 هجرية.