توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حكيم باشا «المحروسة»

  مصر اليوم -

حكيم باشا «المحروسة»

بقلم :د. محمود خليل

كان يوم ثلاثاء وقد مضى من شهر جمادى الثانية 5 أيام ووصلنا إلى يوم 6 من هذا الشهر عام 1232 هجرية (22 أبريل 1817)، حين نادى منادٍ بصير يقوده مبصر بأسواق مصر وشوارعها وحواريها أن من كان به أذى من رمد أو يعانى من مرض الفتاق أو يرغب فى الجراحة فليذهب إلى «خان» بالموسكى يتشرف باستقبال 4 من الحكماء الإفرنج «الأجانب» وأنهم على أتم استعداد لتقديم خدماتهم لمن يحتاج دون مقابل، إلا ثمن الدواء.

يحكى «الجبرتى» أن وزير محمد على ورئيس حكومته فى ذلك الوقت كتخدا «محمد أغا لاظ» استدعى «حكيم باشا» لما وصلت إليه أخبار الأطباء الأجانب الأربعة وانشغال الناس بأمرهم، وإقبال المرضى عليهم من كل حى من أحياء القاهرة وما تسبب فيه ذلك من تزاحم بحى الموسكى وسأله عن أمرهم فأجابه «حكيم باشا» بأنه لا يعرف عن أمرهم شيئاً.

داخل «الخان» الكائن بحى الموسكى كان الأطباء الأجانب الأربعة يجلسون وإلى جوارهم المترجم. وفى الخارج تتلاصق الأجساد المريضة الناحلة الباحثة عن دواء فى طوابير طويلة عريضة.

طريقة عجيبة لاحظها المصريون فى أداء هؤلاء الأطباء، فهم لا يقدمون وصفات أو أحجبة أو يقومون بعمل رقى كما تعودوا مع المشايخ وحلاقى الصحة -جهة العلاج المعتمدة فى ذلك الوقت- بل يتحسسون جسد المريض بطريقة عجيبة. يسأل الطبيب ويترجم المترجم ويجيب المريض ويقول إنه يشتكى فى عينه أو فى الموضع الفلانى من جسده فتنطلق يد الطبيب ممسكة بيد المريض لتقيس له النبض، وبعدها يبدأ فى تحسس جسده، بعدها يكتب شيئاً على ورقة، فيلتقطها أحدهم من يد الطبيب ويأخذ المريض إلى حجرة تحتشد فيها زجاجات وقوارير بها سوائل زاهية الألوان، وعليها أسماء باللغات الإفرنجية، يلتقط بعضها من فوق الأرفف، ويعطيها للمريض ويقول له التعليمات الخاصة بتعاطيها.

حتى ذلك الحين لم يكن المصريون يعرفون معنى «الروشتة»، أو الدواء الذى تم تحضيره، لذلك كان عجبهم كبيراً من هذه الطريقة الجديدة فى العلاج، وزاد عجبهم عندما وجدوا أن هذه الأدوية تحسن من حالتهم وتزيل أوجاعهم وكأنها السحر. الأمر كان محل استغراب «الجبرتى» الذى أرَّخ للواقعة وذكر أن الأطباء كانوا يعطون المريض دهاناً أو سفوفاً أو الحب المركب ويطلبون منه قرشاً أو قرشين أو خمسة، وذلك حسب حالة المريض، أما الكشف فمجانى.

اجتذبت طريقة الأطباء الأربعة فى علاج المرضى قطاعاً كبيراً من المصريين، الذين كانوا يتناقلون فيما بينهم أخبار شفائهم على أيدى الأجانب، فقلدهم آخرون وتكاثر المرضى والمعلولون أمام الخان طالبين الكشف والدواء. وكان أكثر ما يشد الناس إلى هؤلاء الأطباء «مجانية الكشف» بسبب ما سبق أن عانوه مع أطباء أجانب آخرين كانوا يفدون إلى مصر ويضعون اشتراطات عجيبة للعلاج.

يحكى الجبرتى أن الطبيب الأجنبى من هؤلاء لم يكن يتحرك أو ينقل قدمه خطوة واحدة فى الطريق إلى المريض إلا بعد أن يدفع له أهله ريال فرانسة أو أكثر حسب الحال أو المقام. بعدها يحمل الطبيب عدته ويتجه إلى المريض فيجسه ويتحسسه، ثم يعلن لأهله أنه تمكن من التعرف على مرضه وتشخيص علته، ولم يكن أمر الإعلان يخلو من تهويل فى بعض الأحيان، حتى يبرر الطبيب طلباته المالية والتكاليف التى يستوجبها العلاج. يقول «الجبرتى» نصاً: «ثم يقاول على سعيه فى معالجته بمقدار من الفرانسة إما خمسين أو مائة أو أكثر بحسب مقام العليل».

مسألة الطب فى ذلك الزمان كانت مقاولة ليس أكثر، فالطبيب يقاول أهل المريض على علاجه مقابل مبلغ محدد. وكانت طريقة الدفع عجيبة كل العجب. فالمريض مطالب بدفع نصف المقاولة فى البداية، ثم يدفع بعد ذلك مقابلاً لكل زيارة يقوم بها الحكيم ليعطيه الدواء الذى يعالج علته ويتابع تطور حالته، فإن شفى المريض قبض منه النصف الباقى من «المقاولة»، أما إذا توفى طالب الورثة بباقى ثمن المتابعة وكذلك ثمن العلاج، وإذا صرخ فيه أهل المريض بأنه مات، يجيبهم -كما يحكى الجبرتى- قائلاً: «إنى لم أضمن أجله، وليس على الطبيب منع الموت ولا تطويل العمر».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكيم باشا «المحروسة» حكيم باشا «المحروسة»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon