توقيت القاهرة المحلي 06:28:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«امرأة تملكهم»

  مصر اليوم -

«امرأة تملكهم»

بقلم :د. محمود خليل

عندما حكمت شجر الدر مصر أرسل الخليفة العباسى رسالة إلى الأمراء المماليك المحيطين بها قائلاً: «أعلمونا إن كنتم قد عقمتم إنجاب الرجال أن نسير إليكم رجلاً ليحكمكم». لم يكن الخليفة مدفوعاً وهو يكتب هذه الرسالة بمعلومات تقول إن السلطانة لا تجيد الحكم أو اتخذت قرارات غير حكيمة تشكك فى أدائها، السر كان فى كونها «امرأة» ولا يصح -من وجهة نظر الرجل- أن تحكم المرأة الرجال، أو أن تلى أمرهم.

ثقافة الخليفة كانت وليدة وقتها وظرفها، لأن الأمر فى زمن النبوة والخلافة الراشدة لم يكن كذلك، بل ارتكز على الشراكة بين الرجل والمرأة، فخديجة -رضى الله عنها- شاركت محمداً صلى الله عليه وسلم فى التفكير والتدبير فى أخطر المواقف، وكذا كانت «فاطمة» مع على بن أبى طالب، رضى الله عنهما، وأسماء بنت أبى بكر مع ولدها الزبير بن العوام، وكان للمرأة دور فى تحريك الأمور وصناعة القرارات داخل قصور الحكم الأموى والعباسى والعثمانى.

كانت المسألة «شراكة» والدنيا ماشية. وكان مفهوماً لدى الناس جميعاً أن الدرجة التى جعلها الله للرجل على المرأة «ولهنَّ مثلُ الذى عليهنَّ بالمعروفِ وللرجالِ عليهنَّ درجة» تعنى المسئولية المضافة على كاهل الرجل ليس أكثر، فقد شاءت حكمة الله أن تضع مسئوليات أكبر على الذكر، فالقوامة فى الإسلام تعنى المسئولية: «الرجالُ قوَّامونَ على النساء»، وهى فى كل الأحوال لا تعنى الأفضلية، لأن المساواة أصل أكده القرآن.

الآن يوجد مشروع مطروح داخل مجلس النواب، مشروع قانون بتجريم تعدد الزوجات دون علم الزوجة، ينص على فرض عقوبات على الرجل الذى يُقدم على الزواج الثانى دون إخطار الأولى.

الإسلام -كما حدثتك من قبل- حاصر مبدأ تعدد الزوجات، وعندما حددهن فى أربع كان يحاصر، لأن العدد قبل هذا التشريع كان مفتوحاً، كما وضع شروطاً للخطوة، ونصح القرآن الكريم بالزواج من واحدة، لأن الرجل لن يستطيع تحقيق الشرط الصعب المتمثل فى «العدل» فى حالة التعدد، لكن ذلك لا يعنى أن ننكر المبدأ، فهو قائم ومحكوم بالظرف والثقافة الاجتماعية السائدة.

فكرة «الثقافة الاجتماعية السائدة» تمثل حجر الأساس فى البناء التشريعى فى الإسلام، فالقوامة مسئولية والمسئولية أساسها الظرف، الله تعالى جعل القوامة فى العموم للرجل، انطلاقاً من الثقافة السائدة فى المجتمعات، لكنه توقف أمام نموذج بلقيس كنموذج استثنائى يؤكد قوامة المرأة: «إِنِّى وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ»، ومؤكد أن الخليفة الذى استهجن اعتلاء شجر الدر عرش مصر كان سيغير رأيه لو تأمل الآية جيداً.

رخصة التعدد جعلها الله للرجل، وقد كانت كذلك قبل أن تُشرّع فى الإسلام، والحديث عن وضع عقوبات (تصل إلى الحبس) على الرجل الذى يحجم عن إخطار زوجته قلب للأشياء، خصوصاً أن القانون يعطى المرأة فى مثل هذه الأحوال حق الطلاق للضرر (أتفهم فى هذا السياق طبعاً أن نشرع ما يحمى حق المرأة المطلقة)، ويوجب على المأذون إخطار الزوجة الأولى، والأخطر أنه يمثل تناقضاً مع الثقافة الاجتماعية السائدة، التى تؤكد على الزواج بواحدة، وكل الأرقام تقول إن تلك هى الحالة الشائعة، وبالتالى فلا لزوم لطرح موضوعات وسن تشريعات تتعامل مع حالات استثنائية، كما أن المرأة المصرية بطبيعتها وثقافتها تأبى أن تكون سبباً فى سجن زوجها، على الأقل أغلبية سيدات الريف والطبقات الشعبية فى مصر تتبنى هذه الثقافة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«امرأة تملكهم» «امرأة تملكهم»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 06:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
  مصر اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon