بقلم: د. محمود خليل
لا يستطيع أحد أن يقول إن الأديان ذكورية أو نسوية.. الأديان طبيعية، وخطابها للبشر هو فى الأول وفى الآخر خطاب عليم بأحوالهم، خطاب يحترم خصوصية كل من الرجل والمرأة وما تفرضه هذه الخصوصية من أدوار داخل المجتمع.
تجمع الأديان على أن للبشر أباً هو آدم، وأماً هى حواء، تعاونا منذ خروجهما من الجنة على إقامة الحياة على الأرض. التكليف الدينى موجه إلى كل من المرأة والرجل، وكذلك التكليف الدنيوى: «فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى». فثنائية النداء إلى آدم وحواء تتعلق بعدم الخضوع للشيطان، وتخصيص «آدم» بالشقاء لا يعنى أنه سيشقى فى الحياة وحده، بل ستشقى «حواء» معه أيضاً، فهو يعانى من أجل القوت، وهى تعانى فى مساعدته من أجل توفير الاحتياجات للأبناء، بالإضافة إلى النهوض بأعباء التربية والرعاية داخل البيت.
النبوة ذكورية.. فرحلة أنبياء الله على الأرض هى رحلة ذكورية بالأساس، كذلك اقتضت حكمة الخالق، وليس من حق المخلوق أن يجادل الله فى حكمه، ومثل من يتورط فى مناقشة هذا الأمر كمثل من يصفع رأسه فى الحائط وهو يسأل: لماذا يسيطر الذكور عبر التاريخ على حكم الأمم والشعوب؟.. النبوة ذكورية، لكن رسالة الأنبياء موجهة إلى كل من الرجل والمرأة.
القرآن الكريم قدّم المرأة -شأنها شأن الرجل- كنموذج على الكفر به جل وعلا فى أحوال، وكنموذج للإيمان الرفيع فى أحوال أخرى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ».
المرأة سر من أسرار حركة الأديان (إيماناً أو إنكاراً)، وكان دور المرأة خطيراً فى حياة أنبياء الديانات السماوية الثلاث، كذلك كان دور امرأة فرعون فى حياة موسى، ودور الصديقة مريم فى حياة المسيح، ودور خديجة بنت خويلد فى حياة النبى، عليه وعلى أنبياء الله الصلاة والسلام.
دور المرأة أيضاً وصل إلى منصة الحكم، كما حكى القرآن الكريم عن «بلقيس»، ملكة سبأ، التى أشار عليها الرجال فأخطأوا الرأى، بعدها خلصت هى إلى الرأى الأصوب. قال الرجال: «قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ». أما هى: «قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ» فصدّق الخالق العظيم على قولها: «وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ».
وقد يكون من المفيد أن نتذكر الدور الذى لعبته المرأة داخل المجتمع المكى فى عصر الرسول، صلى الله عليه وسلم، وما تلاه. كان فى المجتمع المكى سيدة أولى أو أكثر تلعب دوراً فى إشعال الصراع ضد الإسلام ونبيه، برز فى هذا السياق دور أم جميل بنت حرب، شقيقة أبى سفيان، وظهر دور هند بنت عتبة، زوجة الأخير، وظهر دور سيدات فضليات فى دعم النبى؛ مثل السيدة خديجة، رضى الله عنها، وسيدات الأنصار، ولعلك تذكر أيضاً الدور الذى لعبته السيدة عائشة، رضى الله عنها، فى الصراع الذى نشب بين المسلمين أواخر عصر عثمان، ثم على، رضى الله عنهما، والدور الذى لعبته السيدة زينب، حفيدة النبى، أثناء وبعد مأساة كربلاء، ودور سيدات بنى أمية خلال فترة حكم الأمويين، ثم سيدات الدولة العباسية، بالإضافة إلى الدور الذى لعبه الحريم داخل قصر السلطان العثمانى.
كيف يمكن أن يصف البعض الأديان بالذكورية، فى حين تمتعت المرأة فى ظلها بهذا القدر من الحضور؟