بقلم: د. محمود خليل
لعلك تتابع الصوت العالى -الزاعق أحياناً- المدافع عن حقوق المرأة والمنادى بحمايتها من تغول المجتمع الذكورى عليها.. الدعوة إلى ما يوصف بـ«تمكين المرأة» مسألة قديمة متجدّدة، وتعود بجذورها إلى المؤتمر العالمى للمرأة فى بكين، الذى انعقد عام 1995، وأوصى بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، ومواجهة أى تمييز ضد المرأة، ومحاربة أى نوع من العنف الذى يمارس ضدها.
منذ ذلك الحين وهناك تفاعلات عدة يشهدها المجتمع المصرى، والكثير من المجتمعات العربية الأخرى، لإعادة النظر فى أوضاع المرأة ومنحها جميع حقوقها وعدم التمييز بينها وبين الرجل. بعض هذه التفاعلات أحياناً ما يأخذ شكلاً موضوعياً، حين ينصرف إلى حماية حقوق المرأة المطلقة والمرأة المعيلة والغارمة، وإقرار حق المرأة عموماً فى المشاركة المتساوية مع الرجل فى جميع المجالات، وحقها فى نيل ما تستحقه من مناصب دون تمييز وغير ذلك. وفى أحيان أخرى كانت التفاعلات تأخذ شكلاً زاعقاً، بالدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث والشهادة، أو الدعوة إلى تمكين المرأة من قيد الأطفال باسمها (السنجل مازر).
المشكلة أن الصوت الزاعق يغلب -فى كثير من الأحيان- الصوت الموضوعى، فتضيع الحقوق المنطقية للمرأة فى زحمة اللغط الذى يثيره أصحاب الأصوات الزاعقة. فما أسهل أن يستنفر المجتمع ككل بمجرد سماع أحاديث عن المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث والشهادة، مع وجود نصوص قرآنية قاطعة الدلالة تؤكد غير ذلك، أو سماع أحاديث أخرى عن نسب الطفل إلى الأم فى تقليد لم تعرفه ثقافاتنا المحلية.
دعنى أضرب لك مثالاً توضيحياً على المعالجة الزاعقة من خلال موضوع «المرأة المطلقة»، التى يتفق الجميع على أنها تحتاج إلى أقصى درجات الدعم الاجتماعى، فى ظل حالات شاذة يحاول فيها الرجل التغول على مطلقته وحقها وحق أولادها. البعض يواجه مشكلات «المطلقة» عبر الهجوم على الفقهاء، أو الغمز واللمز فى تشريعات الأحوال الشخصية الإسلامية، وغير ذلك. هذه المنهجية تؤدى إلى استفزاز المجتمع فتزيد المشكلة تعقيداً فى الوقت الذى يزعم فيه أصحابها أنهم يستهدفون الحل.
أذكر أننى كتبت عن مقترح تقدم به الدكتور جابر جاد نصار يدعو فيه إلى تقييد الطلاق -فى حالة وجود أولاد- بوثيقة تسجّل بحضور الزوجين أمام المأذون أو القاضى أو الموثق تحفظ حقوق الطرفين وتحافظ على حقوق الأولاد (نفقتهم، تعليمهم، علاقتهم بوالديهم، وكل ما يرتبط بذلك)، على أن يكون للوثيقة قوة السند التنفيذى المباشر.
ففى حالات الطلاق غالباً ما يدفع الأطفال ثمن خلافات لا علاقة لهم بها. فكم من نزاعات تحدث بين أزواج الأمس بسبب الإنفاق على الأطفال، وعادة ما تنتقل فى مراحل مبكرة منها إلى ساحات القضاء لتزيد الأعباء على مؤسسة العدالة. فكل حادثة طلاق تحمل فى أحشائها قضية أو أكثر. فما المانع إذاً من هذا الحل العملى الذى يواجه المشكلة عند المنبع؟.
فى حدود علمى أن القانون يعطى للزوجة الحق فى أن تشترط على زوجها -فى وثيقة الزواج- ألا يخرجها من بلدها، أو أن يسكنها فى بلد معين، ومنع زوجها من السفر خارج البلاد إلا معها، ويجوز لها أيضاً أن تكتب ألا يمنعها من العمل أو الدراسة، بالإضافة إلى كتابة الضمانات التى تكفل لها حقوقها المالية. إذا كان ذلك يتم فى الزواج حماية لحق المرأة.
هناك فارق بين التناول الموضوعى للمشكلات الاجتماعية، والتناول الصحفى لها، بصورة تهدف إلى إحداث الإثارة أو الفرقعة الإعلامية التى لا يستفيد منها إلا صاحبها، لتزداد المشكلة تعقيداً بدلاً من أن تحل.