بقلم :د. محمود خليل
العلاقة بين التدين والأخلاق علاقة أساسية.. ونظرياً كلما زاد مقدار التدين ارتفع منسوب الأخلاق الدافئة لدى الفرد.
تحث كل الأديان على الأخلاق، فالقرآن الكريم منح الأخلاق مساحة كبيرة من الاهتمام، وفصّل فى مبحثها -فى بعض الأحوال- أكثر مما فصل فى شرح بعض العبادات، فتجد على سبيل المثال أن الله تعالى لم يفصل لنا هيئة الصلاة، ولا عدد الصلوات، ولا عدد ركعاتها، بل اكتفى بتوجيه المؤمنين إلى إقامتها والمحافظة عليها فى مواقيتها، وشرح النبى -صلى الله عليه وسلم- كل هذه التفاصيل: «صلوا كما رأيتمونى أصلى»، فى المقابل نجد القرآن الكريم يحدد بالتفصيل الجانب الأخلاقى المتعلق بالمواقيت والآداب التى يتوجب على الصغار والخدم مراعاتها عند الدخول على أهل البيت، مما يمنحك مؤشراً على فرط اهتمام القرآن الكريم بالأخلاق من منظور أنها تشكل عموداً أساسياً من الأعمدة التى يرتكز عليها الإسلام.
بإمكانك أيضاً أن تقرأ موعظة الجبل فى الإنجيل، وتتعرف على الأخلاق الرفيعة التى حث عليها المسيح -عليه السلام- أتباعه، فلا رياء ولا افتراء على خلق الله، وتواضع للناس، وتحمّل لأذاهم.
إذا كانت تلك هى حال الأديان، فليست هذه بحال المتدينين. فالتدين لا يعنى الأخلاق فى كل الأحوال، فمن بين المتدينين من هو فاقد للخلق، وإلا فسّر لى التناقض بين ما يشتهر به شعبنا من تدين فى وقت تعانى فيه نسبة منه من أزمة أخلاق.
لا أجد تفسيراً لحالة التناقض تلك بين التدين وغياب الأخلاق إلا فى نوعية التدين التى ظهرت بين جنبات المجتمع المصرى أواخر السبعينات، حين أطلق الرئيس السادات العنان للتيارات الإسلامية.
التدين الذى انطلق فوق أرض المحروسة خلال هذه الفترة كان تديناً على مستوى المظهر أكثر من الجوهر، تدين السبعينات كان لحية وجلباباً وسواكاً ومصحفاً صغيراً يوضع فى الجيب، كان يصح أن تجد من بين أفراد هذا التيار من يتمثل الأخلاق فى سلوكياته وتعاملاته، فالتعميم ظلم، لكن يبقى أن أغلب هؤلاء كانوا يبالغون فى تبيان خلقهم القويم كنوع من الدعوة وكأداة لتجنيد المزيد من الأتباع داخل التيار.
التدين المنطلق من فهم حقيقى لجوهر الإسلام لا ينظر إلى الأخلاق كمظاهر «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، بل يعتبرها عبادة وأداة للتقرب إلى الخالق العظيم وليس إلى مخلوقات الله.
الأخلاق المرتكزة على تدين حقيقى يتحرك صاحبها بوعى أنه يمتثل للحسن والطيب من السلوكيات إرضاء لله الذى أمر الناس بحسن الخلق، لأن فى ذلك صلاح الحياة، ولأن جوهر الفساد فيها هو فساد الخلق: «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِى خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً».
التدين الحقيقى المرتكن إلى الجوهر هو وحده القادر على إصلاح أخلاق الناس.. يقول الله تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ».
لذلك تجد أن التدين الظاهرى الذى انطلق فى المجتمع المصرى منذ السبعينات وتواصل حتى الآن، بما صحبه من أخلاقيات مدفوعة بالغرض، كان من ضمن العوامل -وليس العامل الوحيد بالطبع- المفسرة لما أصاب قطاعاً من المصريين على هذا المستوى.