بقلم: د. محمود خليل
حوار متميز أجرته الأستاذة إيمان البسطاوى مع الإعلامى الكبير عمر بطيشة، على موقع جريدة الأهرام.
سطور ممتعة تحكى تجربة ورؤية أحد رواد العمل الإذاعى فى مصر، الرجل أسهم فى تكوين عقل ووجدان العديد من الأجيال التى عاصرت عطاءه الإعلامى والشعرى السخى.
أشار «بطيشة»، فى حواره، إلى برنامجه الأشهر «شاهد على العصر»، وذكر أن قناة «الجزيرة» سرقت عنوانه وفكرته وقلبه وقالبه، وقدمته عبر شاشتها، وهو يحكى فى هذا السياق حقيقة لا يختلف عليها مَن عاش على صوت عمر بطيشة الآسر، وهو يتدفق -عبر برنامجه الشهير- بتقديم نجوم الفكر والفن والآداب والسياسة والدين، ويدير معهم حوارات راقية تعكس عمق ثقافته، ثم شاهد النسخة «المسروقة» التى تقدمها قناة «الجزيرة». وهى سرقة تشهد على ريادة واحد من كبار نجوم الإذاعة المصرية على مدار العقود الماضية.
على مدار سنوات طويلة شكّل برنامج «شاهد على العصر» -بالنسبة لى ولكثيرين- نافذة كنا نطل منها على فكر ورؤية وعطاء الكثير من المؤثرين فى كافة مجالات الحياة فى مصر، أذكر منهم: الدكتور مصطفى محمود، والكاتب الصحفى أنيس منصور، والفنان صلاح طاهر، والشيخ محمد متولى الشعراوى، والشاعر عبدالرحمن الأبنودى، والأديب العالمى نجيب محفوظ، وأسماء أخرى لا حصر لها. وجبة ثقافية تتكامل فيها المعلومة مع التاريخ مع الرؤية للمستقبل مع التجربة الإنسانية، استمتعنا بها سنين طويلة، وأضافت إلى المهتمين بها الكثير.
برنامج آخر بديع كان يقدمه الأستاذ عمر بطيشة يشكل إحدى المتع الرمضانية التى تذوقها مَن عاصره واهتم به، وهو برنامج «عازم ولا معزوم».. وأذكر أن هذا البرنامج حقق ما يمكن وصفه بـ«خبطة إذاعية» كبرى، حين استضاف فى أول يوم من أيام رمضان -على التليفون- الرئيس حسنى مبارك، خلال سنوات لم يكن «الراحل» يهتم فيها بمخاطبة المصريين عبر نوافذ الإعلام المصرى، إذ كان يفضل الأجنبى عليها، لكن «بطيشة» تمكن من تحقيق هذا السبق.
على المستوى المهنى يظل عمر بطيشة «شاهداً» على منظومة المهارات والقدرات التى يجب أن تتوافر فى المحاور الإذاعية: صوت أخَّاذ، قادر على التعبير بدقة وشياكة عن الانفعالات، وعمق فى الأسئلة التى يطرحها، وقدرة فائقة على إصابة الهدف من السؤال من أقصر الطرق الممكنة، ومهارة فى استخراج المعلومات من المصدر بشكل سلس وتلقائى، وتميُّز فى تفكيك رؤية المصدر منبعه الوعى الكامل بالموضوع الذى يتناوله والشخصية التى يتحاور معها، ولغة متزنة تجمع بين البساطة والوقار.
وبمناسبة الحديث عن اللغة، امتلك عمر بطيشة موهبة أخرى ظهرت فى أشعاره الغنائية، فألَّف العديد من الأغنيات لكبار المطربات والمطربين، مثل فايزة أحمد، ووردة، وميادة الحناوى، وصباح، وهى أغانٍ تتدفق بأرق المعانى وأجملها وأسماها.
باختصار.. الإعلامى الكبير عمر بطيشة «شاهد على عصر»، شاهد على عصر مهنى تصدَّر المشهد الإعلامى فيه الأكفأ، والأكثر امتلاكاً لمهارات وقدرات مهنية حقيقية، والأقدر على بناء عقل جماهيرى أكثر ارتكازاً واستنارة، ووجدان جمعى نظيف.
أطال الله عمره، ومتَّعه بموفور الصحة والعافية.